الباحث القرآني

قوله: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ الآية. (والمعنى): عليكم أنفسكم [إذا] أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم. وقال ابن عمر: هذه لأقوام يأتون بعدنا، إن قالوا لم يُقبل منهم، وأما نحن فقد قال رسول الله: ليُبَلِّغ الشاهد الغائبَ، فكنا نحن الشهودَ وأنتم الغيب. وحكى جبير بن نفير عن جماعة من أصحاب النبي أنهم قالوا له في هذه الآية: عسى أن تدرك ذلك الزمان، إذا رأيت شُحّاً مطاعاً، وهوىً متَّبعاً وإعجابَ كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يَضرُّك من ضل إذا اهتديت. وقال ابن مسعود: لمّا يجىء تأويل هذه بعد، إن القرآن أُنزل حيث أُنزل، منه آيٌ قد مضى تأويلهن قبل أن يَنْزِلْن، ومنه آي تأويلهن على عهد النبي، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي بيسير، ومنه آي قد وقع تأويلهن يوم الحساب، فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تُلبَسوا شيعاً، ولم (يَذُق بعضكم) بأس بعض، فأْمُروا بالمعروف وانْهُوا عن المنكر. وإذا اختلفت الأقوال والأهواء، وأُلْبِستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض فامرُؤ ونفسَه، عند ذلك جاء تأويل هذه الآية. وقيل: هي في الكفار، لا يضر المسلمَ كفُر الكافر، عليه نفسه إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر. وجعلها ابن عباس وغيره عامة، وقال في معناها: إنّ العبد إذا أطاع الله فيما أمر به من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده. وقال ابن المسيب وغيره: معناها: لا يضركم مَن ضل بعد أمركم إياه (بالمعروف) ونهيكم عن المنكر. وروي عن أبي بكر الصديق أنه قال: يا أيها الناس لا تَغْتَرّوا بقول الله جل وعز ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ فيقول أحدكم: "علي نفسي"، والله، لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف ولَتُنْهَوُنَّ عن المنكر [أو] لَيَسْتَعْمِلَنَّ عليكم شراركم فَلَيَسُومُنَّكم سوء العذاب، (وَلَيَدْعُنَّ) الله خيارُكم فلا يستجيب لهم. قال أبو بكر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا رأى الناس المنكر والظالم، فلم يأخذوا على يديه، فيوشك أن يَعُمَّهم الله بعقابه. وقال ابن جبير: معناها: لا يضرُّكُم من كَفَرَ بالله من أهل الكتاب، فإنما عليكم أنفسكم، وليس يضركم كفر الكافر. (و) قال ابن زيد: كان الرجل إذا أسلم قال له أهل دينه الذي كان عليه: سفَّهتَ آباءك وضللتهم، وفعلت [بآبائك]. كذا وكذا، وكان ينبغي لك أن تنصر [آباءك]، فأنزل الله: ﴿لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ﴾ الآية، (أي) إنما عليكم أنفسكم، وليس عليكم من ضلالة آبائكم شيء. وقد قيل: إن ذلك في الأمر، أُمِروا بأنفسهم، وأُعلِموا أنهم لا يضرهم ارتداد من ارتد، ولا كفر من كفر, وقيل: الآية منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والاختيار عند أهل المنظر أن يكون المعنى: لا يضرّكم من ضل بعد أمركم إياه بالمعروف ونَهيِكم عن المنكر، وإنما ذلك لأن الله أمر المؤمنين بالقيام بالقسط، وأن يتعاونوا على البر والتقوى: ومن القيام بالقسط: الأخذ على يدي الظالم، ومن التعاون على البر والتقوى: الأمر بالمعروف وليس في ذلك رخصة إلا العجز عن القيام بها. ومعنى ﴿إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ﴾: إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، فليس يضركم من ضل بعد ذلك. وقد قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤]، وذم اليهود فقال: ﴿كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ [المائدة: ٧٩] ولعنهم على تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأجمع أهل العلم على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض يجب على الأمراء، ويُعينُ على ذلك المؤمنون إذا احتيج (إليهم)، وبعض الناس يحمله عن بعض: كالجهاد، فهذا إجماع العلماء ويجب على الإنسان - في النظر والقياس - أن يأمر من ضيع شيئاً من الخير بما يأمر به نفسه، وينهى عن الشر كما ينهى عنه نفسه. وكل شيء وجب لك فعله، وجب عليك الأمر به [أو النهي عنه. والأمر بالمعروف هو النهي عن المنكر]، لأن ترك المنكر معروف وترك المعروف منكر. * * * قوله: ﴿إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً﴾ أي: إليه تردون فيحكم بينكم فيما أمرتم به فلم يقبل منكم، أو نهيتهم عنه، فينتقم من المتَعدِّي على محارمه، ويجازي الدال على مرضاته.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب