الباحث القرآني

قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ﴾ الآية. وهذه الآية من الله (إعلام) يُزيل بها طمع النبي من (أن يؤمن) هؤلاء العادلون بربهم الأوثانَ، الذين سألوا الآية وأقسموا إنهم يؤمنون إذا نزلت، فأخبر تعالى أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كلُّ آيةٍ، فقال تعالى: لو نزّلتُ إليهم الملائكة، أي: عياناً ﴿وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ﴾ بأنك مُحِقٌّ فيما تقول، ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أي: جمعنا عليهم، ﴿كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً﴾ أي: عياناً. وقيل: معناه: آتيناهم بما غاب عنهم من أمور الآخرة، ما آمنوا ﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ﴾، عزى الله نبيه بهذا، وأعلمه أن من سبق في علم الله ألا يؤمن، فلا ينفعه شيء. * * * قوله: ﴿وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾: أي: يجهلون ما في مخالفتك - يا محمد - وهم يعلمون أنك نبي صادق فيما جئتهم به. وروي أن النبي عليه السلام كان يداعب أبا سفيان بمِخْصَرَة في يده، يطعن بها أبا سفيان، فإذا أخرقته قال له: نح عني مخِصَرَتَك، فوالله لو أسلمتُ إليك هذا الأمر، ما اختلف عليك فيه اثنان. فقال له النبي: أسألك بالذي أسلمت له، (عن أي: شيء كان قتالُك إيّايَ)؟. قال له أبو سفيان: تظنُّ (أنيِّ كَنْتُ) أقاتلك تكذيباً مني، والله ما شككت في صِدقك، وما كنت أقاتلك إلا حسداً مني لك، فالحمد لله الذي نزع ذلك من قلبي. فكان النبي يشتهي ذلك منه، ويَتَبَسَّم إليه. ومن قرأ (قُبُلاً) بالضم، احتمل ثلاثة أَوْجُهٍ: - أحدها: أن يكون جمع "قبيل"، كرغيف ورُغُف. والقبيل: الضمين والكفيل، ويكون المعنى: وجمعنا عليهم كل شيء يَكتفِل الملائكة لهم بصحة هذا، لم يؤمنوا، كما قال: ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً﴾ [الاسراء: ٩٢] أي: ضميناً. - والوجه الثاني: أن يكون "القُبُل" واحداً، بمعنى المقابلة، تقول:"أَتَيْتُكَ قِبَلاً لا دُبُرا": إذ أتيته من قِبَل وجهه، فالمعنى وجمعنا عليهم كل شيء من قِبَل وُجوهِهم. - والوجه الثالث: أن يكون (قُبُلاً) جمع "قبيل" أيضاً، ويكون "قبيل" بمعنى: فِرْقة وصنف. فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء صنفاً صنفاً وقبيلة (قبيلة)، فيكون (قبلاً) جمع "قبيل" و "قبيل" جمع "قبيلة". ومن قرأ (قِبَلاً) فمعناه: عياناً، أي: معاينة. وهذا (إعلام) للنبي كإعلام نوح: ﴿أَنَّهُ (لَن يُؤْمِنَ) مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦]. وقال المبرد: (قِبَلاً) بمعنى ناحية: أي: وجمعنا عليهم كل شيء ناحية، كما تقول: "لي قِبَلَ فلانٍ مالٌ"، أي: ناحِيتَه، فكان نصبه - على هذا - على الظرف، وعلى الأقوال المتقدمة: على الحال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب