الباحث القرآني

قوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ الآية. * * * قوله: ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾. قال الأخفش، وقطرب: ﴿ثُمَّ﴾ هنا بمعنى "الواو". ومنع ذلك سائر البصريين. والمعنى عندهم فيه: ولقد ابتدأنا خلق آدم، ثم صورناه، ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ﴾ له بعد تمام خلقه. ودليله قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن [فَيَكُونُ]﴾ [آل عمران: ٥٩]. وقيل المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ أيها الناس في ظهر آدم، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾، يعني ذريته، في أرحام النساء في صورة آدم. قاله ابن عباس وغيره. وقال السدي المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾، أي: خلقنا آدم، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ يعني: ذريته في الأرحام. وأخبر عن خلق آدم بلفظ الجماعة؛ لأنه الأصل للجميع، فكأن (خلقه) خلق الجميع. والعرب تجعل مخاطبة الرجل لأبائه المعدومين، ومنه قول الله تعالى عز وجل: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ﴾ [البقرة: ٦٣]، فالخطاب لمن كان على عهد النبي ﷺ، والمراد به من تقدم من آبائهم. فكذلك هذا الخطاب للمؤمنين، والمراد به الخبر عن أبيهم آدم، صلوات الله عليه. وكذلك قال قتادة. وقال عكرمة المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ أيها الناس نطفاً في أصلاب آبائكم، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ في الأرحام. وكذلك روى سفيان عن الأعمش أنه فسره كذلك. وقال مجاهد المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ يعني: آدم، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ في ظهر آدم. وقيل المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ في بطون أمهاتكم، يعنى: النطفة والعلقة، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ بعد ذلك في البطون. واختار الطبري، قول من قال: (معناه): ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صورناه. قال: لأن بعده: ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ﴾، ومعلوم أن الله (تعالى) قد أمر الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام)، قبل أن يصور أحداً من ذريته في بطون أمهاتهم. و ﴿ثُمَّ﴾ للتراخي فيما بين ما بعدها وما قبلها. وقال بعض أهل النظر: إن في الكلام تقديماً وتأخيراً؛ وإن ترتيبه: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم. وهذا بعيد عن النحويين؛ لأن "ثم" لا يجوز أن يراد بها التقديم على ما قبلها من الخبر. فقد أنكر هذا القول النحاس، وغيره. * * * وقوله: ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ﴾. فعل تعالى ذلك بعد خلق آدم (عليه السلام) ابتلاء منه لهم، واختباراً لِتَتِمَّ مشيئته التي تقدمت في إبليس، فيعلم ذلك طاهراً وظهوراً يجب عليه العقاب (لهم) والثواب، فسجد جميعهم إلا إبليس. وقال ابن عباس: كان إبليس من أشراف الملائكة، وكان خازناً على الجنان، وكان له سلطان سماء الدنيا، وسلطان الأرض، فعصى، فمسخه الله (سبحانه) شيطاناً رجيماً. قال ابن جريح: ومن يقل من الملائكة إني إله من دونه، لم يقله إلا إبليس دعا إلى عبادة نفسه، فنزلت هذه الآية. قال قتادة: ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ [مِّن دُونِهِ]﴾ [الأنبياء: ٢٩]، هذه الآية خاصة لعدو الله إبليس (اللعين) لما قال ما قال، لعنه الله وجعله رجيماً. قال ابن عباس: لما قتل إبليس الجن الذين عصوا الله (عز وجل) في الأرض، وشردهم، أعجبته نفسه، فلذلك [امتنع] من السجود واستكبر على ربه [سبحانه].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب