الباحث القرآني

قوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ الآية. هذا السؤال من الله (تعالى) سؤال تقرير وتوبيخ؛ لأنه، تعالى، قد علم ذلك منه. و "لا" زائدة مُؤكَّدة. والمعنى: ما منعك أن تسجد. وقيل: إن "لا" غير زائدة وإن في الكلام حذفاً. والمعنى: [ما منعك] من السجود وأحوجك ألا تسجد؟ فحذف "أحوجك" لدلالة الكلام عليه. وهو اختيار الطبري. وقيل المعنى: (إن) المنع هنا بمعنى "القول" و "لا" غير زائدة، والتقدير: من قال لك ألا تسجد إذ أمرتك بالسجود: ودخلت "أن" كما تدخل في كلام هو بمعنى القول، ولفظه مخالف للفظ القول كقولهم "ناديت أن لا تقم"، و "حلفت ألا تجلس" فلما كان المنع بمعنى القول، وليس من لفظه دخلت "أن". وقيل: إن المنع لما كان معناه الحول بين المرء وبين ما يريده، فالممنوع مضطر إلى خلاف ما منع منه، فلما كان معنى المنع هذا، كان تقدير الكلام: ما اضطرك إلى أن لا تسجد. * * * وقوله: ﴿قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾. هذا خبر من الله (عز وجل) عما قال إبليس، إذ قال له الله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ﴾، فقال إبليس: أنا أفضل منه؛ لأني من نار، وهو من طين، ففضل عليه كفضل النار على الطين. فجهل عدو الله الحق، وأخطأ طريق النظر، إذ كان معلوماً أن من جوهر النار الخفة والطيش والاضطراب، والارتفاع والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حمل الملعون بعد الشقاء الذي سبق له من الله (عز وجل) على الاستكبار. وكان معلوماً أن من جوهر الطين الرزانة والأناة، وذلك الذي حمل (آدم [عليه السلام]) بعدما سبق له عند ربه (عز وجل) على الندم على الذنب والتوبة منه. ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: "أول من قاس إبليس"، يعنيان أنه أخطأ في قياسه في تفضيل النار على الطين؛ وأنها أقوى من الطين. وقول إبليس: ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ ليس بجواب في الظاهر لمن قال: "ما منعك أن تفعل؟"؛ وإنما هذا جواب من قال: "أيكما خير؟"؛ ولكنه جواب محمول على المعنى لا على ظاهر السؤال؛ كأنه لما قيل له: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ﴾، قال: فضلي عليه أني من نار؛ وأنه من طين، فأخبر الملعون عن نفسه بخبر فيه معنى الجواب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب