الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَٱلنَّازِعَاتِ [غَرْقاً]﴾ إلى قوله: ﴿فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ﴾. قال ابن عباس: ﴿وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً﴾، هي الملائكة تنزع الأنفس. وقال ابن جبير: هي أرواح الكفار، نزعت أرواحهم ثم غرقت ثم حرقت ثم قذف بها في النار. وقال مجاهد: ﴿وَٱلنَّازِعَاتِ﴾ الموت ينزع النفوس. وقال الحسن: هي النجوم تنزع من أفق (إلى أفق). وهو قول قتادة. وقال عطاء: هي القسي تنزع بالسهم. [وقال] السدي: هي النفوس حين تغرق في الصدر. والتقدير على هذا كله: ورب النازعات. والله جل ذكره يقسم بما شاء. والتقدير في ﴿غَرْقاً﴾: إغراقا، كما يغرق النازع في [القوس]. وعن ابن عباس قال: يعني نفس الكافر ينتزعها ملك الموت من جسده من تحت كل شعرة، ومن تحت كل [ظفر]، ثم يغرقها، أي: يرددها في جسده وينزعها. * * * - ثم قال تعالى: ﴿وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً﴾. قال ابن عباس: هي "الملائكة"، (أي): تنشط نفس المؤمن فتقبضها كما ينشط العقال (من يد البعير إذا [حل] عنها كأنها [تقبض] الأرواح بسرعة. ومنه رجل نشط)، ويقال: نَشَطَهُ إذا أخذه بسرعة. قال الفراء: يقال: نَشَطَه: إذا ربطه، وأنْشَطَهُ: [إذا حله]، وحكى عن العرب: "كأنما أنشط من عقال". وهما عند غيره لغتان، يقال: نَشَطه: إذا حَلَّهُ وأنشطَهُ. وقال مجاهد: ﴿وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً﴾ هي "الموت"، ينشط نفس المؤمن. ومثله عن ابن عباس أيضاً، (وعنه أيضاً) أنه قال: يعني نفس الكافر والمنافق، ينشط كما ينشط العَقَبُ [الذي يعقب] (به) السَّرجُ. وقال السدي: "نَشْطُهَا - يعني النفس - حين تُنْشَطٌ من القدمين. وقال قتادة: "هي النجوم"، ينشط [أفقا إلى أفق]. وقال عطاء: (هي الأ) وهاق)" * * * - ثم قال تعالى: ﴿وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً﴾. قال مجاهد: هي "الموت" يسبح في نفس ابن آدم. وعنه أيضاً أنها الملائكة [تسبح] في صعودها وهبوطها بأمر الله جل ذكره، شبه [سيرها] بالسباحة، كما يقال [للفرس الجوادِ]: "سابح". وقال قتادة ومعمر: هي "النجوم". وقال عطاء: هي "السفن". وقيل: هي نفس المؤمن تسبح شوقاً إلى الله وشوقاً إلى [رحمته]، فهي تسبح إلى ما [عاينت من السرور]. * * * - ثم قال تعالى: ﴿فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً﴾. قال مجاهد: هو "الموت". وعنه أنها الملائكة تأتي تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء. وقال عطاء: هي الخيل السابقة. وقال قتادة ومعمر: هي "النجوم"، يسبق (بعضها) بعضاً في السير. وقيل: [يعني] نفس المؤمن تسبق إلى ملك الموت فتبادر الخروج (إليه) لحسنه وطيب رائحته شوقاً إلى كرامة الله جل ذكره. * * * - ثم قال تعالى: ﴿فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾. قال ابن عباس وقتادة والحسن ومجاهد: هي الملائكة تدبر الأمر من عند الله بإذن الله وتدبيره. وعن ابن عباس: أن هذا كله في الملائكة. وعن الحسن أنه كله في النجوم إلاّ ﴿فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾، فإنه في الملائكة [تنزل] بالحلال والحرام والأمطار وغير ذلك من الأمر المدبر [المحكم] من عند الله جل ذكره. وجواب القسم محذوف، والتقدير: ورب هذه الأشياء لتبعثن. ودل على ذلك قوله حكاية عن إنكار المشركين للبعث: ﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ * أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾. وقيل: الجواب: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً﴾ [النازعات: ٢٦]. وقيل: الجواب: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ﴾، على حذف اللام، أي: لَيوم ترجف الراجفة. وقيل المعنى: فإذا هم بالساهرة والنازعات. والقول الأول أصحها إن شاء الله. - ثم قال تعالى جل ذكره: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ﴾. أي: لتبعثن يوم ترجف الأرض والجبال للنفخة الأولى، تتبعها أخرى بعدها، وهي النفخة الثانية [ردفت] الأولى، فقيل لها رادفة، بينهما أربعون سنة، [بالأولى يهلك من في الأرض]، وبالثانية يبعث من في الأرض. قال ابن عباس: هما النفختان، الأولى والثانية. قال الحسن: هما النفختان، أما الأولى فتميتُ الأحياء، (وأما) الثانية فتحيي الموتى. وتلا الحسن: ﴿وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨]. وروي أن أبا هريرة سأل النّبيّ ﷺ عن الصور، فقال: هو قَرنٌ، قَالَ: وكَيْف هو؟ قَالَ: قَرْنٌ عَظِيم يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفْخاتٍ، الأولى نفخةُ الفَزَع، والثانيةُ نفخةُ الصّعْقِ، والثالثة نَفْخةُ القِيامِ [لِرَبِّ] العالمين، يَأمُرُ اللهُ إسرافيلَ بالنفخة الأولى، فيقولُ: انفُخ نفخة الفَزع، فيفزَعُ من في السماوات ومن في الأرض إلا من شَاء اللهُ. [ويأمره] الله - جل ذكره - فَيُديمُها ويُطوّلها فلا [تفْتُرُ]، وهي التي يقول الله: ﴿وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾، فيُسيّرُ الله - جل وعز - الجِبال، فتكونُ سراباً، فَترتَجُّ الأرضُ بأهلها رجّاً، وهي التي يقول الله عز وجل: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ﴾ قال قتادة: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ﴾: هما الصيحتان، أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله، وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله، وروي أن رسول الله ﷺ كان يقول: بينهما أربعون [عاماً]. قال أصحابه: والله ما زادنا على ذلك. قال قتادة: وذكر لنا أن نبي الله عليه السلام [كان] يقول: يبعث الله في تلك الأربعين مطراً يقال له الحياة حتى تطيب الأرض وتهتز وتنبت أجساد الناس نَباتَ البقل، ثم ينفخ الثانية فإذا هم قيام ينظرون قال الضحاك: الراجفة: النفخة الأولى، والرادفة: الثانية. وقال مجاهد: ﴿ٱلرَّاجِفَةُ﴾ [ترجف الأرض بمن فيها، و] هو رجفُ الأرض والجبال، وهي الزلزلة والرادفة، وهو قوله: ﴿وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤]. وقال ابن زيد: ﴿ٱلرَّاجِفَةُ﴾ ترجف الأرض بمن فيها، والرادفة: قيام الساعة. * * * - ثم قال تعالى: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾. أي: قلوب خلق من خلق الله يومئذ خائفة وجلة. يقال: وجف القلب إذا [خفق]. * * * - ثم قال تعالى: ﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾. (أي: أبصار أصحاب) القلُوب ذليلة من الخوف والرعب من هول ذلك اليوم. * * * - ثم قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ * أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾. ﴿يَقُولُونَ﴾ ليس بمتصل بما قبله، لأن (ما) قبله من صفة حالهم يوم القيامة. وما بعد القول من قولهم في الدنيا في إنكار البعث. ولو [أضمرت] "كان" قبل ﴿يَقُولُونَ﴾ كان متصلاً بما قبله، تخبر عما كانوا يقولون في الدنيا. أي: يقول هؤلاء [المكذبون] بالبعث في الدنيا: أنُردّ إلى حالنا الأولى بعد الممات فنرجع أحياء بعد أن نصير عظاماً [تصوت] فيها الريح. يقال: رجع [على] حافرته: إذا رجع من حيث أتى. والعرب تقول: "النقد عند الحافرة". أي: عند أول كلمة. قال ابن عباس: ﴿لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ﴾ أي: (في) "الحياة". وروي عنه: لِنحْيا بعد موتنا. وقال قتادة: معناه أنرد خلقاً جديدا؟! وقال السدي ﴿(فِي) ٱلْحَافِرَةِ﴾: "في الحياة". وقيل: الحافرة - هنا - بمعنى المحفُورة، بمنزلة قوله: ﴿مِن مَّآءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق: ٦] بمعنى: مدفوق. فالمعنى: أنرد في قبورها أمواتاً؟! قال مجاهد: ﴿ٱلْحَافِرَةِ﴾: الأرض، (أي): أنبعث خلقاً جديداً؟! وقال ابن زيد: ﴿ٱلْحَافِرَةِ﴾: النار وقال: هي النار، وهي الجحيم، وهي سقر، وهي جهنم، وهي الهاوية، وهي الحافرة، (وهي) لظى، وهي الحطمة. * * * - وقوله: ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾. قال ابن عباس: النخرة: الذاهبة البالية. يقال: نخرة وناخرة، (لغتان) بمعنى. وقد قيل: النخرة [المؤتكلة]، (والناخرة) البالية. وقيل: النخرة: البالية. والناخرة: العظم المجوف تمر فيه الريح فتنخر. قاله أبو عبيدة. * * * - ثم قال تعالى: ﴿تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾. هذا إخبار من الله لنبيه عن قول المنكرين للبعث أنهم قالوا: تلك الرجعة - إن كانت رجعة - خاسرة، (أي): [نخسر] فيها، لأنا وعدنا فيها بالنار. * * * - ثم قال تعالى: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ﴾. أي: إنما هي صيحة واحدة، وهي النفخة، ينفخ في الصور فإذا هؤلاء المكذبون بالبعث بظهر الأرض أحياء. والعرب تسمي الفلاة وظهر الأرض "ساهرة"، لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم، فسميت بما يكون فيها. قال ابن عباس: (﴿بِٱلسَّاهِرَةِ﴾ "على الأرض". وهو قول الحسن وعكرمة. وقال قتادة): ﴿بِٱلسَّاهِرَةِ﴾: بأعلى الأرض، بعدما كانوا في بطنها. وهو قول ابن جبير والضحاك وابن زيد. وقال سفيان: الساهرة: "أرض بالشام". وقال وهب بن منبه: "الساهرة: جبل إلى جنب بيت المقدس". وقال قتادة: الساهرة: جهنم. وقال: الساهرة: أرض من فضة لم يعص الله عليها، وهو قوله: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ﴾ [إبراهيم: ٤٨]. قال قتادة: لما تباعد البعث في أعيُنِ القوم، قال الله جل ذكره، ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾، فإذا هم بأعلى الأرض.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب