الباحث القرآني

قوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ﴾، إلى قوله: ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. من فتح "الواو" في: "الوَلاية" جعله مصدر "وَليَ" يقال: هو ولي بَيِّنُ الوَلاَيَةِ. ومن كسر فهو مصدر "والي"، يقال: هو والٍ بيّن الوِلاَيةِ. ومعنى الآية: إن الذين صدقوا بمحمد عليه السلام، وما جاء به، وهجروا قومهم وعشيرتهم وأرضهم إلى أرض الإسلام، والهجرة هجرتان: هجرة كانت إلى أرض الحبشة، وهجرة إلى المدينة، وهذا إنما كان في أول الإسلام، ثم انقطع ذلك الآن: لأن الدار كلها دار الإسلام، ﴿وَجَاهَدُواْ﴾، أي: أتعبوا أنفسهم في حرب أعداء الله، ﴿وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ﴾، أي: آووا رسول [الله] ﷺ والمهاجرين معه ونصروهم، وهم الأنصار، ﴿أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾، أي: المهاجرون أولياء الأنصار وإخوانهم. و "الوليُّ" في اللغة: النصير. فاختيار الطبري أن يكون: ﴿أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ بمعنى أنصار بعض. قال ابن عباس: كانت هذه الولاية في الميراث، فكان المهاجرون والأنصار يرث بعضهم بعضاً بالهجرة دون القرابة، ألا ترى إلى قوله: ﴿وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ﴾، فكانوا يتوارثون على ذلك حتى نزلت بعده: ﴿وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٥]، فنسخت مواريث المهاجرين والأنصار بعضهم من بعض. وكذلك قال مجاهد. قال قتادة: لبث المسلمون زماناً يتوارثون بالهجرة، وليس يرث المؤمن الذي لم يهاجر من المؤمن المهاجر شيئاً، وإن كان ذا رحم، ولا الأعرابي من المهاجر شيئاً، فنسخ ذلك قوله: ﴿وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً﴾ [الأحزاب: ٦]، يعني: من أهل الشرك، يوصون لهم إن أرادوا، ولا يتوارث أهل مِلَّتَيْن. وقال عكرمة والحسن: نسخها آخر السورة: ﴿وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٥]. * * * وقوله: ﴿وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ﴾. أي: الذين آمنوا بمكة، ولم يفارقوا دار الكفر، ﴿مَا لَكُمْ﴾. أيها المهاجرون، ﴿مِّن وَلاَيَتِهِم﴾، أي: نصرهم وميراثهم، ﴿مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ﴾، هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا، ﴿فِي ٱلدِّينِ﴾، أي: على أهل الكفر، ﴿فَعَلَيْكُمُ﴾ نصرهم ﴿إِلاَّ﴾ أن يستنصروكم ﴿عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾، أي عهد وذمة، فلا تنصروهم عليهم، ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، أي: [بصير] فيما أمركم به من ولاية بعضكم بعضاً. وقال ابن عباس: ﴿وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ﴾، يعني: الأعراب المسلمين، فعليكم أن تنصروهم، ﴿إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾، فلا تنصروهم عليهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب