الباحث القرآني

وقوله: ﴿وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ﴾، إلى قوله: ﴿وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. والمعنى: ﴿وَقُلِ﴾، يا محمد، لهؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم: ﴿ٱعْمَلُواْ﴾، أي: اعملو بما يرضي الله، ﴿فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾، وسيراه رسوله والمؤمنون، في الدنيا، ﴿وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ﴾، أي: تردون يوم القيامة، إلى الله الذي يعلم السر والعلانية، ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، أي يخبركم بعملكم، ويجازيكم عليه جزاء المحسنين أو جزاء المسيء. وقال مجاهد: الآية وعيد من الله. و ﴿فَسَيَرَى ٱللَّهُ﴾، من رؤية العين. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ﴾. هذا معطوف على ما قبله. والمعنى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ﴾ قوم ﴿مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ﴾، ومنهم ﴿وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ﴾، ومنهم ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ﴾. فالتقدير: من هؤلاء المتخلفين عنكم، ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ﴾، وقضائه فيهم. * * * ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾. وهم قوم تخلفوا ولم يعتذروا إلى النبي ﷺ، وندموا على ما صنعوا، فتاب الله عليهم، إذ علم صحة توبتهم وندمهم، فقال: ﴿لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ﴾ [التوبة: ١١٧]، إلى قوله: ﴿هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١١٨]. قال ابن عباس: لما نزل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾، يعني: أبا لُبابة وصاحبيه، يعني: الثلاثة الذين لم يربطوا أنفسهم، ولم يظهروا التوبة، فلم يذكروا بشيءٍ، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فـأنزل الله، عز وجل: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ﴾، الآية، فيهم فجعل الناس يقولون: هلكوا، إذ لم ينزل فيهم عُذْرٌ. وجعل آخرون يقولون: عسى الله أن يتوب عليهم، فصاروا مرجئين، لا يقطع لهم بشيء، حتى نزل: ﴿لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ﴾، إلى قوله: ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، ثم قال تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ﴾ يعني: الثلاثة الذين أُرْجُوْا، إلى قوله: ﴿هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾. وقال عكرمة: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ﴾: هم الثلاثة الذين خُلَّفُوْا. والثلاثة في قول مجاهد: هلال بن أمية، ومُرارةَ بن الربيع، وكعب بن مالك، الثلاثة من الأوس. وقال الضحاك: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ﴾، هم الثلاثة الذين خُلِّفُوا عن التوبة، يعني: توبة أبي لُبابة وصاحبيه، فضاقت عليهم الأرض، وكان أصحاب محمد ﷺ، فيهم فئتين، فئة تقول: هلكوا، وفئة تقول: عسى الله أن يعفو عنهم، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ﴾، وأرجأ رسول الله ﷺ، أمرهم حتى نزلت توبتهم. * * * وقوله: ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ﴾. ومعناه: إما يحجزهم عن التوبة، فيعذبهم، وإما يوفقهم فيتوب عليهم. ﴿حَكِيمٌ﴾، وقف، على قراءة من قرأ: ﴿ٱلَّذِينَ﴾، بغير واو. وغير وقف على قراءة من قرأ: ﴿ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ﴾ بالواو.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب