الباحث القرآني

قوله: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾، إلى قوله: ﴿وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. ﴿حُنَيْنٍ﴾: مذكر، اسم واد بين مكة والطائف. ومن العرب من يجعله اسماً للبقعة فلا يصرفه للتأنيث والتعريف. وقيل: هو واد إلى جنب ذي المجاز. لغة بني تميم: "كِثْرةَ"، بكسر الكاف، وجمعه: كثر، والفتح لغة أكثرهم، وجمعه: كثرات، وهما مصدران وجمعهما قبيح. ومعنى الآية: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ﴾، أيها المؤمنون في أماكن حرب، ونصركم يوم حنين أيضاً. وهو يوم قاتل فيه النبي عليه السلام، هَوَازِن وثقيفاً، وخرج مع النبي ﷺ، في تلك الغزوة إثنا عشر ألفاً: عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وألفان من الطلقاء، فأعجب القوم كثرهم، فانهزموا ونزل النبي ﷺ، عن بغلته الشهباء، وكان العباس أخذ بلجام [بغلة] النبي عليه السلام، فأمر النبي صلى الله عليه سلم، بالأذان في الناس فتراجع الأنصار، وكان المنادي ينادي: "يا معشر الأنصار، ويا معشر المهاجرين، يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، فجاء الناس عُنُقاً واحداً، ثم أنزل الله عز وجل، نصره، وأخذ النبي ﷺ، كفًّا من تراب، وقبضة من حصباء، فرمى بها وجوه القوم الكفار، وقال: "شَاهَتِ الوُجُوهُ"، فانهزموا. فأخذ رسول الله ﷺ، الغنائم، ورجع إلى الجِعِرَّانَة، فقسم بها الغنائم، مغانم حنين، وزاد أُناساً منهم: أبو سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس، وسهيل بن عمرو، وغيرهم، تألف بالزيادة قلوبهم، فتكلمت الأنصار، وقالت: "آثر قومه"، فبلغ ذلك النبي ﷺ، وهو في قبة له من أدمٍ، فقال: يا معشر الأنصار ما هذا الذي بلغني؟ ألم تكونوا ضُلاَّلاً فهداكم الله، وكنتم أذِلَّةً فأعزكم الله، وكنتم وكنتم. فتكلموا إليه، فقال النبي ﷺ، والذي نفسي بيده، لو سلكتم وادياً وسلك الناس وادياً، لسلكتُ وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار. ثم مدحهم بغير هذا، ثم قال: أما ترضون أن ينقلب النَّاس بالإبل والشاء، وتنقلبون برسول الله إلى بيوتكم. فقالت الأنصار: رضينا عن الله عز جل، وعن رسوله ﷺ، والله ما قلنا ذلك إلا ظناً بالله ورسوله، فقال النبي ﷺ، الله ورسوله يُصدقانكم ويعذِرَانكم. قال السدي: قال رجل من أصحاب النبي عليه السلام، يوم حنين، وقد كانوا إثنى عشر ألفاً: يا رسول الله لن نُغْلَبَ اليوم من قلَّةٍ وأعجبته كثرة الناس، فَوُكِّلُوا إلى كلمة الرجل، فانهزموا عن رسول الله ﷺ، غير العباس، وأبي سفيان بن الحارث، وأيمن بن أم أيمن، قتل يومئذ بين [يدي] النبي ﷺ. فنادى النبي ﷺ، بالأنصار: أين الأنصارُ الذين بايعوا تحت الشجرة؟ فتراجع الناس، فأنزل الله عز وجل، الملائكة بالنَّصر، فهزم المشركون يومئذ، وغنموا. وأصاب المسلمون ستة آلاف سبية، فجاء قومهم مسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أنت خير الناس، وأبرُّ الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا، فقال النبي ﷺ: "إنّ عندي من ترون، وإنّ خَيْرَ القَوْلِ أَصْدَقُهُ، فاختاروا: إما ذراريكم ونسائكم، و[إمّا] أموالكم. فقالوا ما كنا نعدل بالأحْسَاب شيئاً، فأمر النبي ﷺ، من طابت نفسه [أن يرد ما عنده من الذراري ومن لم تَطِبْ نفسه] أن يجعله قرْضاً عند النبي ﷺ، حتى يعوضه مكانه. فَرَضُوا كلهم وسلموا بأن يردوا الذَّراري بطيب نفس. * * * ومعنى ﴿بِمَا رَحُبَتْ﴾، أي: بسعتها. وقال الطبري: "الباء" بمعنى: "في". فأعلم الله عز وجل، المؤمنين في هذه الآية أنه ليس بكثرهم يغلبون، [إنما يغلبون] بنصره. وكانت غزوة حنين بعد فتح مكة، ولما خرج النبي ﷺ، إليها خرج معه أهل مكة مشاة وركباناً، يمشون يرجون الغنائم حتى خرج معه النساء والصبيان وهم على غير الإسلام وليس يكرهون أن تكون الصدمة برسول الله [صلى الله] عليه وسلم. وفرق رسول الله ﷺ، الغنائم على الجميع، ووفَّر على أهل مكة اسْتِيلاَفاً لهم ليدخلوا في الإسلام، وزَوَى كثيراً من المقاسم عن أصحابه، فعند ذلك وجدت الأنصار في أنفسها، وقالوا: ما نرى فعل ذلك إلا وهو يريد المقام بين ظَهْرَانَيْهِم، فعاتبهم النبي ﷺ، [على ذلك. فنصر الله النبي ﷺ، وهو السَّكِينَةُ التي أنزلت على النبي ﷺ] وعلى المؤمنين، ﴿وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا﴾، وهي الملائكة بالنصر: ﴿وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾، أي: بالسيف، وسبي الأهل وأخذ الأموال: ﴿وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ﴾، أي: هذا الذي فعله بهم، هو جزاء من كفر بالله ورسوله. وقيل: هو جزاء من بقي منهم. * * * ﴿ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ﴾. أي: يتفضل على من يشاء بالتوبة من الكفر والإنابة إليه، يعني من بقي منهم، حتى ينقلهم إلى طاعته إذا شاء، ﴿وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب