قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ولم يقل "نَعْبُدكَ" لأن هذا أوكدُ.
قال سيبويه: كأنهم إنما يُقدِّمون الذي بيانُه أهَمُّ إليهم، وهم ببيانهِ أعْنَى، وإن كانا جميعاً يَهُمَّانهم ويَعْنيانهم.
والعبادة في اللغة: الطَّاعة مع تذلُّل وخضوع، يُقال: طريقٌ معبَّدٌ: إذا كان قد ذُلِّل بالوَطْءِ، وبعيرٌ معبَّدٌ: إذا طُلي بالقطران، أي امتُهن كما يُمْتهن العبدُ، قال طرفة:
إلَى أَنْ تَحَامَتْنِي العَشِيرَةُ كُلُّهَا * وَأُفْرِدْتُ إفْرَادَ البَعِيرِ المعَبَّدِ
ويُقال: عَبِدَ من كَذَا، أي أَنِفَ منه، كما قال الشاعر:
* "وَأَعْبَدُ أَنْ تُهْجَى تَمِيمٌ بِدَارِمِ" *
* ثم قال تعالى: ﴿وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
فأعاد "إيَّاكَ" توكيداً، ولم يقل "ونستعين" كما يُقال: المالُ بين زيد وبين عمروٍ، فتعاد "بين" توكيداً، وقال: ﴿إيَّاكَ﴾ ولم يقل: إيَّاه، لأن المعنى: قل يا محمد "إيَّاكَ نَعْبُدُ".
على أن العرب ترجع من الغيبة إلى الخطاب، كما قال الأعشى:
عِنْدَهُ الحَزْمُ والتُّقَى وَأَسَى الصَرْ * عِ وَحَمْلٌ لمضْلِعِ الأَثْقَالِ
ثم قال: ورجع من الغَيْبَةِ إلى الخطاب:
ووفاءٌ اذَا أَجَرْتَ فَما غُرَّ * تْ حبالٌ وصَلْتَها بحبالِ
وقال تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾.
ثم قال: ﴿إنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً﴾.
وعكس هذا أن العرب ترجع من الخِطَاب إلى الغيبة، كما قال تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾.
وفي الكلام حذفٌ والمعنى: وإياكَ نستعين على ذلك.
{"ayah":"إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ"}