قوله جلَّ وعزَّ: ﴿أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا﴾.
رَوَى علي بن الحكم عن الضحاك قال: يُقال: هو عُزَيْرٌ، والقريةُ بيتُ المقدسِ.
﴿فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ﴾ فكان أوَّلُ شيءٍ حَيِيَ منه رَأْسُهُ، فجعل ينظر إلى كلِّ ما يُخلق منه، وإلى حماره.
قال سعيد عن قتادة: وذُكِرَ لنا أنه عُزَيْرٌ أتى على بيت المقدس بعدما خَرَّبَهُ بَخْتَنَصرَّ قال: فقال: أَنَّى تُعْمرُ هذه بعد خَرَابها؟
* ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ﴾
ذكر لنا أنه مات ضُحىً، وبُعِثَ قبل غيبوبةِ الشمس بعد مائة عامٍ فقال: لبثتُ يوماً أو بعض يوم.
وقال كعبٌ: هو عُزَيْرٌ.
قال مجاهد: هو رجلٌ من بني إسرائيل.
قال عبدالله بن عبيد بن عمير: هو أَرْمِياً، وكان نبياً.
والخاويةُ: الخاليةُ.
قال الكسائي: يقال خَوَت خُوِيَّاً، وخَوَاءَ، وخَوَايَةً.
والعروشُ: السقوفُ، أي ساقطةٌ على سقوفها.
قال أبو عبيدة: ويقال: خَوَتْ عُرُوشُها: بُيُوتُها.
والعروشُ الخيامُ، وهي بيوت الأعراب.
قال الكسائي والفراء: الكاف في قوله: ﴿أوْ كَالَّذِي﴾ عطفٌ على معنى الكلام، أي هلْ رأيتَ كالذي حاجَّ إبراهيم، أو كالذي مَرَّ على قريةٍ.
وقيل: هي زائدة، كما قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ﴾.
* وقوله تعالى: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾.
قال عكرمة وقتادة: لم يتغيَّرْ.
وقال مجاهد: لم يُنْتِنْ.
قال بعض أهل اللغة: لم يَتَسَنَّ من قولهم: آسَنَ الماءُ إذا أَنْتَنَ.
وقال أبو عمروٍ الشيباني: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾: لم يَتَغَيَّرْ، من قوله تعالى ﴿مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ ثم أبدل من إحدى النونين ياءً، كما قيل: تقصَّيْتُ وتظنَّيْتُ، وقصَّيْتُ أظفاري.
قال أبو جعفر: والقولان خطأ، لو كان من قولهم: أسِنَ الماءُ إذا أنتن، لكان يَتَأَسَّنُ.
قال أبو إسحاق: وليس من مَسْنُونٍ، لأن مَسْنُونَاً مصبوب على سُنَّةِ الأرض.
قال أبو جعفر: والصحيحُ أنه من السَّنَةِ، أي لم تُغَيِّرْهُ السِّنونَ.
* ثم قال تعالى: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾.
قال سفيانُ عن الأعمشِ قال: رَجَع إلى بنيهِ شيوخاً، وهو شابٌ.
قال الكسائي: لا يكون الكلام إلاَّ بإضمارِ فِعْلٍ.
والمعنى عنده: فَعَلْنَا هذا لنجعلك دليلاً للناس، وعَلَماً على قدرتنا، ومثلُه ﴿وَحِفْظَاً﴾.
* ثم قال جلَّ وعزَّ: ﴿وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾.
أي نحييها ﴿ونُنْشِزُهَا﴾ بالزاي مُعجمةً أي نُرَكِّبُ بعضَ العظامِ على بعضٍ، ونرفعُ بعضَها إلى بعض.
والنَّشْزُ، والنَّشَزُ: ما ارتفع من الأرض.
ومَن قَرَأ: ﴿قَالَ: أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
فقال قتادة: في قراءَتِهِ أنه جعلَ ينظُرُ، كيف يُوصَلُ بعضُ عظامه إلى بعضٍ، لأن أول ما خُلِقَ منه رأسُهُ، وقيل: له: انْظُرْ، فقال عن ذلك هذا.
ورَوَى طاووس عن ابن عباس: ﴿قَال اعْلَمْ﴾ على الأمر، وإنما قيل له ذلك.
قال هارون في قراءة عبدالله: ﴿قيل: اعْلَمْ﴾ على وَجْهِ الأمْرِ.
وقد يجوز أن يكون خاطب نَفْسَهُ بهذا.
{"ayah":"أَوۡ كَٱلَّذِی مَرَّ عَلَىٰ قَرۡیَةࣲ وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ یُحۡیِۦ هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِا۟ئَةَ عَامࣲ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ یَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ یَوۡمࣲۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِا۟ئَةَ عَامࣲ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ یَتَسَنَّهۡۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَیۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمࣰاۚ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}