وقوله عز وجل: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ﴾.
قال الضحاك: أَفْشَوْهُ وَسَعَوْا به، وهم المنافقون.
وقال غيره: هم ضَعَفَةُ المسلمين، كانوا إذا سَمِعوا المنافقين يُفْشُوْنَ أخبارَ النبيِّ ﷺ، تَوَهَّمُوا أنه ليس عليهم في ذلك شيءٌ، فَأَفْشَوْهُ، فَعَاتبهم اللهُ على ذلك، فقال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ أي أُولِي الْعِلْمِ ﴿لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ أي يستخرجونه.
يقال: نَبَطْتُ البِئْرَ، إذا أَخْرَجْتَ منها النَّبَطَ، وهو ما يخرجُ منها، ومن هذا سُمِّيَ النَّبَطُ، لأنهم يُخْرِجُوْنَ ماءً في الأرض.
فالمعنى: لعلموا ما ينبغي أن يُفْشَى، وما ينبغي أن يُكْتَمَ.
* وقوله جل وعز: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.
في هذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن المعنى: ولولا ما تفضَّل اللهُ به، مما بَيَّنَ وأَمَرَ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيْلاً.
والقولُ الآخر: أن المعنى أذاعوا به إلا قليلاً.
وهذا القولُ لِلْكِسَائِيِّ، وهو صحيح، عن ابن عباس.
والقول الآخر: قولُ قتادةَ، وابنِ جُريج، وهو الذي كان يختاره أبو إسحق، أنَّ المعنى: لَعَلِمَهُ الذين يستنبطونه منهم إلا قليلاً.
﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾.
قيل: هو استثناءٌ من ﴿لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾.
يُعنَى به قومٌ لم يكونوا هَمُّوا بما هَمَّ به الآخرون، من اتِّباع الشيطان، كما قال الضحاك: هم أصحاب النبي عليه السلام ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ إلاَّ طائفةً منهم.
وقيل: معنى ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ كُلّكُمْ.
قال أبو جعفر: وهذا غيرُ معروف في اللغة.
ومن أحسن هذه الأقوال، قولُ من قال: أذاعوا به إلا قليلا، لأنه يَبْعُدُ أن يكون المعنى يعلمونه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلاً، لأنه إذا بُيِّنَ اسْتَوَى الكلُّ في علمه، فَبَعُدَ استثناءُ بعض المستنبطين منه.
{"ayah":"وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُوا۟ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}