وقوله جل وعز: ﴿إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ﴾.
قال الكسائي: يقالُ: بَاءَ بالشيءِ، يبوُءُ به، بَوْءً، وبَوَاءً: إذا انصرف به.
قال البصريون: يقال بَاءَ بالشَّيْءِ، إذا أقرَّ بهِ، واحتمله، ولزمه.
ومنه تبوأ فلانٌ الدَّارَ، أي لزمها وأقام بها.
يقال: البَوَاءُ التَّكافُؤُ، والقتلُ بَوَاءٌ، وأنشد:
فإن تكنِ القَتْلَى بَوَاءً، فإنكُمْ * فَتَىً مَّا قتَلْتُم آلَ عَوْفِ بنِ عَامِرِ
قال "أبو العباس" محمد بن يزيد في قوله تعالى: ﴿إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ وهو مؤمن، لمَّا كان المؤمن يريد الثواب، ولا يبسط يده إليه بالقتل، كان بمنـزلة من يريدُ هذا.
وسُئل أبو الحسن بن كيسان: كيف يريد المؤمن أن يأْثَمَ أخُوه، وأن يدخل النار؟
فقال: إنما وقعت الإِرادة بعدما بسط يده بالقتل.
فالمعنى: لئن بسطتَ إلىَّ يدك لتقتلني، لأمتنعنَّ من ذلك مريداً الثواب.
فقيل له: فكيف قال "بإثمي وإثمك" وأيُ إثمٍ له إذا قُتِل؟ فقال: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تبوء بإثم قتلي وإثم ذنبك، الذي من أجله لم يتقبل من أجله قربانك، ويروى هذا الوجه عن مجاهد.
والوجه الآخر: أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك عليَّ، لأنه قد يأثم في الإِعتداء، وإنْ لم يقتل.
والوجه الثالث: أنه لو بسط يده إليه أثم، فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك، فإنه يرجع على صاحبه، وصار مثل قولك: المالُ بينه وبين زيد أي المال بينهما.
فالمعنى: أن تبوء بإثمنا.
قال أبو جعفر: ومن أجلِّ ما روي فيه عن ابن مسعود وابن عباس أن المعنى: بإثم قتلي، وإثمك فيما تقدَّم من معاصيك.
فإن قيل أفليس القتل معصية وكيف يريده؟ قيل: لم يقل أن تبوء بقتلي، فإنما المعنى بإثم قتلي إن قتلتني، فإنما أراد الحق.
* ثم قال جل وعز: ﴿وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ﴾.
يجوز أن يكون هذا إخباراً من الله عن ابن آدم أنه قال هذا.
ويجوز أن يكون منقطعاً مما قبله.
{"ayah":"إِنِّیۤ أُرِیدُ أَن تَبُوۤأَ بِإِثۡمِی وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَ ٰلِكَ جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}