الباحث القرآني

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا﴾ الْعِصْمَةُ الْمَنْعَةُ، وَمِنْهُ يقال للبدرقة: عِصْمَةٌ. وَالْبَذْرَقَةُ: الْخَفَارَةُ لِلْقَافِلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُرْسِلَ مَعَهَا مَنْ يَحْمِيهَا مِمَّنْ يُؤْذِيهَا. قَالَ ابْنُ خالويه: البدرقة لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ عَرَّبَتْهَا الْعَرَبُ، يُقَالُ: بَعَثَ السُّلْطَانُ بَذْرَقَةً مَعَ الْقَافِلَةِ. وَالْحَبْلُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ السَّبَبُ الَّذِي يُوصَلُ بِهِ إِلَى الْبُغْيَةِ وَالْحَاجَةِ. وَالْحَبْلُ: حَبْلُ الْعَاتِقِ [[حبل العاتق وصل ما بين العاتق والمنكب.]]. وَالْحَبْلُ: مُسْتَطِيلٌ مِنَ الرَّمْلِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ [[حديث عروة بن مضرص: أتيتك من جبلي طئ.]]: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ، وَالْحَبْلُ الرَّسَنِ. وَالْحَبْلُ الْعَهْدُ، قَالَ الْأَعْشَى: وَإِذَا تُجَوِّزُهَا حبال قَبِيلَةٍ ... أَخَذَتْ مِنَ الْأُخْرَى إِلَيْكَ حِبَالَهَا يُرِيدُ الْأَمَانَ. وَالْحَبْلُ الدَّاهِيَةُ، قَالَ كُثَيِّرٌ [[في الأصول: "لبيد". والتصويد عن اللسان وشرح القاموس مادة "حبل".]]: فَلَا تَعْجَلِي يَا عَزُّ أَنْ تَتَفَهَّمِي ... بِنُصْحٍ أَتَى الْوَاشُونَ أم بحبول وَالْحِبَالَةُ [[في ج: حبال، والتصويب من د، واللسان وغيره.]]: حِبَالَةُ الصَّائِدِ. وَكُلُّهَا لَيْسَ مُرَادًا فِي الْآيَةِ إِلَّا الَّذِي بِمَعْنَى الْعَهْدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَبْلُ اللَّهِ الْقُرْآنُ. وَرَوَاهُ عَلِيٌّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْهَجَرِيِّ [[الهجري: بهاء وجيم مفتوحتين، نسبة إلى هجر. وهو إبراهيم بن مسلم العبدي. (عن تهذيب التهذيب).]] عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ). وَرَوَى تَقِيُّ بن مخلد حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثْنَا هُشَيْمٌ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا" قَالَ: الجماعة، روي عنه و [عن غَيْرِهِ] [[الزيادة في ب.]] مِنْ وُجُوهٍ، وَالْمَعْنَى كُلُّهُ مُتَقَارِبٌ مُتَدَاخِلٌ، فَإِنَّ [[ود: فإن كتاب الله.]] اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ بِالْأُلْفَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْفُرْقَةِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ هَلَكَةٌ وَالْجَمَاعَةَ نَجَاةٌ. وَرَحِمَ اللَّهُ ابْنَ الْمُبَارَكِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ الْجَمَاعَةَ حَبْلُ اللَّهِ فَاعْتَصِمُوا ... مِنْهُ بِعُرْوَتِهِ الْوُثْقَى لِمَنْ دَانَا الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: "(وَلا تَفَرَّقُوا) " [يَعْنِي فِي دِينِكُمْ] [[الزيادة في د.]] كَمَا افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي أَدْيَانِهِمْ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَلَا تَفَرَّقُوا مُتَابِعِينَ لِلْهَوَى وَالْأَغْرَاضِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَكُونُوا فِي دِينِ اللَّهِ إِخْوَانًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْعًا لَهُمْ عَنِ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً﴾. وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اخْتِلَافًا إِذِ الِاخْتِلَافُ مَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِائْتِلَافُ وَالْجَمْعُ، وَأَمَّا حُكْمُ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهَا بِسَبَبِ [[في د: سبب لاستخراج.]] اسْتِخْرَاجِ الْفَرَائِضِ وَدَقَائِقِ مَعَانِي الشَّرْعِ، وَمَا زَالَتِ الصَّحَابَةُ يَخْتَلِفُونَ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُتَآلِفُونَ [[في د: متواصلون.]]. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ) وَإِنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ اخْتِلَافًا هُوَ سَبَبُ الْفَسَادِ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً (. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ:) لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أمتي ما أتى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً) قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي). أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَعَبْدُ اللَّهِ الْإِفْرِيقِيُّ ثِقَةٌ وَثَّقَهُ قَوْمُهُ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (قَالَ أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أقوام تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ [[الكلب (بالتحريك): داء يعرض للإنسان من عض الكلب الكلب فيصبه شبه الجنون، فلا يعض أحدا إلا كلب، وتعرض له أعراض رديئة، ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشاء.]] بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مِفْصَلٌ إِلَّا دَخَلَهُ (. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أنس ابن مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:) مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ مَاتَ وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ (. قَالَ أَنَسٌ: وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَبَلَّغُوهُ عَنْ رَبِّهِمْ قَبْلَ هَرْجِ الْأَحَادِيثِ وَاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿فَإِنْ تابُوا﴾ [التوبة: ١١] قَالَ: خَلَعُوا الْأَوْثَانَ وَعِبَادَتَهَا "وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ" [[راجع ج ٨ ص ٧٤ وص ٨٠.]]، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: "فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ"» . أَخْرَجَهُ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ: فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْفِرَقُ مَعْرُوفَةٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّا نَعْرِفُ الِافْتِرَاقَ وَأُصُولَ الْفِرَقِ وَأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنَ الْفِرَقِ انْقَسَمَتْ إِلَى فِرَقٍ، وَإِنْ لَمْ نُحِطْ بِأَسْمَاءِ تِلْكَ الْفِرَقِ وَمَذَاهِبِهَا، فَقَدْ ظَهَرَ لَنَا مِنْ أُصُولِ الْفِرَقِ الْحَرُورِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالرَّافِضَةُ وَالْجَبْرِيَّةُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَصْلُ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ هَذِهِ الْفِرَقُ السِّتُّ، وَقَدِ انْقَسَمَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهَا اثْنَتَيْ عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين فرقة. انْقَسَمَتِ الْحَرُورِيَّةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ [[لم نعثر في المظان لذكر بعض من الفرق الأتية.]] فِرْقَةً، فَأَوَّلُهُمُ الْأَزْرَقِيَّةُ- قَالُوا: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مُؤْمِنًا، وَكَفَّرُوا أَهْلَ الْقِبْلَةِ إِلَّا مَنْ دَانَ بِقَوْلِهِمْ. وَالْإِبَاضِيَّةُ- قَالُوا: مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِنَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَهُوَ مُنَافِقٌ [[الإباضية يقولون: من دان لله بما بلغ إليه من الإسلام وعم به، فهو ناج ما لم يهدم ركنا من الدين أو يرتطم في التخطئة، وليسوا حرورية.]]. وَالثَّعْلَبِيَّةُ- قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقْضِ وَلَمْ يُقَدِّرْ. وَالْخَازِمِيَّةُ- قَالُوا: لَا نَدْرِي مَا الْإِيمَانُ، وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ مَعْذُورُونَ. وَالْخَلَفِيَّةُ- زَعَمُوا أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْجِهَادَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَفَرَ. وَالْكَوْزِيَّةُ [[في ج وا: "الكروية" براء وواو وفى ز: الكدرية.]] - قَالُوا: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمَسَّ أَحَدًا، لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجَسِ وَلَا أَنْ يُؤَاكِلَهُ حَتَّى يَتُوبَ وَيَغْتَسِلَ. وَالْكَنْزِيَّةُ- قَالُوا: لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يُعْطِيَ مَالَهُ أَحَدًا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا بَلْ يَكْنِزُهُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَظْهَرَ أَهْلُ الْحَقِّ. وَالشِّمْرَاخِيَّةُ- قَالُوا: لَا بَأْسَ بِمَسِ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ لِأَنَّهُنَّ [[في الأصول: لأنهم.]] رَيَاحِينُ. وَالْأَخْنَسِيَّةُ- قَالُوا: لَا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ بَعْدَ مَوْتِهِ خَيْرٌ وَلَا شَرٌّ. وَالْحَكَمِيَّةُ- قَالُوا: مَنْ حَاكَمَ إِلَى مَخْلُوقٍ فَهُوَ كَافِرٌ. وَالْمُعْتَزِلَةُ [[كذا في الأصل في الأصول: كلها وليس في غير القدرية معتزلة.]] - قَالُوا: اشْتَبَهَ عَلَيْنَا أَمْرُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ فَنَحْنُ نَتَبَرَّأُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَالْمَيْمُونِيَّةُ- قَالُوا: لَا إِمَامَ إِلَّا بِرِضَا أَهْلِ مَحَبَّتِنَا. وَانْقَسَمَتِ الْقَدَرِيَّةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً: الْأَحْمَرِيَّةُ- وَهِيَ الَّتِي زَعَمَتْ أَنَّ فِي شَرْطِ الْعَدْلِ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُمَلِّكَ عِبَادَهُ أُمُورَهُمْ، وَيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعَاصِيهِمْ. وَالثَّنَوِيَّةُ- وَهِيَ الَّتِي زَعَمَتْ أَنَّ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ وَالشَّرَّ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ [[كذا في الأصل في الأصول: كلها وليس في غير القدرية معتزلة.]] - وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَجَحَدُوا [صِفَاتِ] [[الزيادة في: ز.]] الرُّبُوبِيَّةِ. وَالْكَيْسَانِيَّةُ وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: لَا نَدْرِي هَذِهِ الْأَفْعَالُ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنَ العباد، ولا نعلم أثياب؟ النَّاسُ بَعْدُ أَوْ يُعَاقَبُونَ. وَالشَّيْطَانِيَّةُ- قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ الشَّيْطَانَ. وَالشَّرِيكِيَّةُ- قَالُوا: إِنَّ السَّيِّئَاتِ كُلَّهَا مُقَدَّرَةٌ إِلَّا الْكُفْرَ. وَالْوَهْمِيَّةُ- قَالُوا: لَيْسَ لِأَفْعَالِ الْخَلْقِ وَكَلَامِهِمْ ذَاتٌ، وَلَا لِلْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ ذَاتٌ. وَالزِّبْرِيَّةُ [[في ب ودو و: الزبوندية.]] - قَالُوا: كُلُّ كِتَابٍ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَالْعَمَلُ بِهِ حَقٌّ، ناسخا كان أو منسوخا. والمسعدية [[في د وب ور: المتبرئة.]] - زعموا أَنَّ مَنْ عَصَى ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَالنَّاكِثِيَّةُ- زَعَمُوا أَنَّ مَنْ نَكَثَ بَيْعَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَالْقَاسِطِيَّةُ- تَبِعُوا إِبْرَاهِيمَ بْنَ النَّظَّامِ في قوله: من زعم أن الله شي فَهُوَ كَافِرٌ [[في أ: ليس بكافر.]]. وَانْقَسَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً: الْمُعَطِّلَةُ- زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَهْمُ الْإِنْسَانِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ. وَإِنَّ مَنِ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ يُرَى فَهُوَ كَافِرٌ. وَالْمَرِيسِيَّةُ قَالُوا: أَكْثَرُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ. وَالْمُلْتَزِقَةُ- جَعَلُوا الْبَارِيَ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَالْوَارِدِيَّةُ- قَالُوا لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ، وَمَنْ دَخَلَهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَبَدًا وَالزَّنَادِقَةُ [[في ب، و، د: "الزيارتة".]] - قَالُوا: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ لِنَفْسِهِ رَبًّا، لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ إِدْرَاكِ الْحَوَاسِّ، وَمَا لَا يُدْرَكُ لَا يُثْبَتُ. وَالْحَرْقِيَّةُ- زَعَمُوا أَنَّ الْكَافِرَ تَحْرِقُهُ النَّارُ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَبْقَى مُحْتَرِقًا أَبَدًا لَا يَجِدُ حَرَّ النَّارِ. وَالْمَخْلُوقِيَّةُ- زَعَمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ. وَالْفَانِيَةُ- زَعَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ يَفْنَيَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ يُخْلَقَا. وَالْعَبْدِيَّةُ [[في ب، د، و: "العيرية".]] - جَحَدُوا الرُّسُلَ وَقَالُوا إِنَّمَا هُمْ حُكَمَاءُ. وَالْوَاقِفِيَّةُ- قَالُوا: لَا نَقُولُ إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَالْقَبْرِيَّةُ- يُنْكِرُونَ عَذَابَ الْقَبْرِ وَالشَّفَاعَةَ. وَاللَّفْظِيَّةُ- قَالُوا لَفْظُنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ. وَانْقَسَمَتِ الْمُرْجِئَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً: التَّارِكِيَّةُ- قَالُوا لَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ فَرِيضَةٌ سِوَى الْإِيمَانِ بِهِ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ. وَالسَّائِبِيَّةُ- قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تعالى سيب خلقه ليفعلوا ما شاءوا. والراجئة- قَالُوا: لَا يُسَمَّى الطَّائِعُ طَائِعًا وَلَا الْعَاصِي عَاصِيًا، لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالسَّالِبِيَّةُ [[في د: الشاكية.]] - قَالُوا: الطَّاعَةُ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ. وَالْبَهْيَشِيَّةُ [[في ب، و، ز "البيهسية" وفى د: "البيسمية؟ ".]] - قَالُوا: الْإِيمَانُ عِلْمٌ وَمَنْ لَا يَعْلَمُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَالْعَمَلِيَّةُ- قَالُوا: الْإِيمَانُ عَمَلٌ. وَالْمَنْقُوصِيَّةُ- قَالُوا: الْإِيمَانُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. وَالْمُسْتَثْنِيَةُ- قَالُوا: الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ. وَالْمُشَبِّهَةُ- قَالُوا: بَصَرٌ كبصر وئد كَيَدٍ [[كذا في الأصول، وفية سقط واضح لعله: قالوا لله بصر.]]. وَالْحَشْوِيَّةُ- قَالُوا [[في ب: جعلوا.]]: حُكْمُ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَاحِدٌ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّ تَارِكَ النَّفْلِ كَتَارِكِ الْفَرْضِ. وَالظَّاهِرِيَّةُ- الَّذِينَ نَفَوُا الْقِيَاسَ. وَالْبِدْعِيَّةُ- أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَعَ هذه الأحداث في هذه الامة. وَانْقَسَمَتِ الرَّافِضَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً: الْعَلَوِيَّةُ- قَالُوا: إِنَّ الرِّسَالَةَ كَانَتْ إِلَى عَلِيٍّ وَإِنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ. وَالْأَمْرِيَّةُ- قَالُوا: إِنَّ عَلِيًّا شَرِيكُ مُحَمَّدٍ فِي أَمْرِهِ. وَالشِّيعَةُ- قَالُوا: إِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَوَلِيُّهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّ الْأُمَّةَ كَفَرَتْ بِمُبَايَعَةِ غَيْرِهِ. وَالْإِسْحَاقِيَّةُ- قَالُوا: إِنَّ النُّبُوَّةَ مُتَّصِلَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكُلُّ مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَ أَهْلِ الْبَيْتِ فَهُوَ نَبِيٌّ. وَالنَّاوُوسِيَّةُ- قَالُوا: عَلِيٌّ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ، فَمَنْ فَضَّلَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ فَقَدْ كَفَرَ. وَالْإِمَامِيَّةُ- قَالُوا: لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنْ وَلَدِ الْحُسَيْنِ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يُعَلِّمُهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا مَاتَ بُدِّلَ غَيْرُهُ مَكَانَهُ. وَالزَّيْدِيَّةُ- قَالُوا: وَلَدُ الْحُسَيْنِ كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ فِي الصَّلَوَاتِ، فَمَتَى وُجِدَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَمْ تَجُزِ الصَّلَاةُ خَلْفَ غَيْرِهِمْ، بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ. وَالْعَبَّاسِيَّةُ- زَعَمُوا أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ أَوْلَى بِالْخِلَافَةِ مِنْ غَيْرِهِ. وَالتَّنَاسُخِيَّةُ- قَالُوا: الْأَرْوَاحُ تَتَنَاسَخُ، فَمَنْ كَانَ مُحْسِنًا خَرَجَتْ رُوحُهُ فَدَخَلَتْ فِي خَلْقٍ يَسْعَدُ بِعَيْشِهِ. وَالرَّجْعِيَّةُ- زَعَمُوا أَنَّ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ يَرْجِعُونَ إِلَى الدُّنْيَا، وَيَنْتَقِمُونَ مِنْ أَعْدَائِهِمْ. وَاللَّاعِنَةُ [[في د: اللاعنية.]] - يَلْعَنُونَ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبَا مُوسَى وَعَائِشَةَ وَغَيْرَهُمْ وَالْمُتَرَبِّصَةُ- تَشَبَّهُوا بِزِيِّ النُّسَّاكِ وَنَصَبُوا فِي كُلِّ عَصْرٍ رَجُلًا يَنْسُبُونَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَهْدِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا مَاتَ نَصَبُوا آخَرَ. ثُمَّ انْقَسَمَتِ الْجَبْرِيَّةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً: فَمِنْهُمُ الْمُضْطَرِّيَّةُ [[كذا في، وفى الأصول الأخرى المضطربة.]] - قَالُوا: لَا فِعْلَ لِلْآدَمِيِّ، بَلِ اللَّهُ يَفْعَلُ الْكُلَّ. وَالْأَفْعَالِيَّةُ- قَالُوا: لَنَا أَفْعَالٌ وَلَكِنْ لَا اسْتِطَاعَةَ لَنَا فِيهَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ كَالْبَهَائِمِ نُقَادُ بِالْحَبْلِ. وَالْمَفْرُوغِيَّةُ- قَالُوا: كُلُّ الْأَشْيَاءِ قَدْ خُلِقَتْ، وَالْآنَ لَا يخلق شي. وَالنَّجَّارِيَّةُ- زَعَمَتْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَذِّبُ النَّاسَ عَلَى فِعْلِهِ لَا عَلَى فِعْلِهِمْ. وَالْمَنَّانِيَّةُ- قَالُوا: عَلَيْكَ بِمَا يَخْطِرُ بِقَلْبِكَ، فَافْعَلْ مَا تَوَسَّمْتَ مِنْهُ الْخَيْرَ. وَالْكَسْبِيَّةُ- قَالُوا: لَا يَكْتَسِبُ الْعَبْدُ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا. وَالسَّابِقِيَّةُ- قَالُوا: مَنْ شَاءَ فليعمل ومن شاء [ف]- لا يَعْمَلُ [[كذا في د، وفى غيرها من الأصول: من شاء فليفعل ومن شاء لم يفعل.]]، فَإِنَّ السَّعِيدَ لَا تَضُرُّهُ ذُنُوبُهُ وَالشَّقِيَّ لَا يَنْفَعُهُ بِرُّهُ. وَالْحِبِّيَّةُ- قَالُوا: مَنْ شَرِبَ كَأْسَ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى سَقَطَتْ عَنْهُ عِبَادَةُ الْأَرْكَانِ. وَالْخَوْفِيَّةُ- قَالُوا: مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَخَافَهُ، لِأَنَّ الْحَبِيبَ لَا يَخَافُ حَبِيبَهُ. وَالْفِكْرِيَّةُ [[في ب، هـ، د، و، وفي ز، ح، أ: الفكرية، وفى ج: النكرية. وفى د: أسقط. وفى سائر الأصول سقط.]] - قَالُوا: مَنِ ازْدَادَ عِلْمًا أسقط عنه بقدر ذلك من العبادة. وَالْخَشَبِيَّةُ [[في ج وز: "الحشية" بالحاء المهملة، وفى ب الخشبية. وفى ا: "الحيشية" بالياء المثناة من تحت والشين. وفى د: الحسبية.]] - قَالُوا: الدُّنْيَا بَيْنَ الْعِبَادِ سَوَاءٌ، لَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُمْ فِيمَا وَرَّثَهُمْ أَبُوهُمْ آدَمُ. وَالْمِنِّيَّةُ [[في ب وهـ ود وز: "المعبة" بالعين.]] - قَالُوا: مِنَّا الْفِعْلُ وَلَنَا الِاسْتِطَاعَةُ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْفِرْقَةِ الَّتِي زَادَتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي آخِرِ سُورَةِ "الْأَنْعَامِ" [[راجع: ج ٧ ص ١٤١.]] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ: يَا حَنَفِيُّ، الْجَمَاعَةَ الْجَمَاعَةَ!! فَإِنَّمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ الْخَالِيَةُ لِتَفَرُّقِهَا، أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [[سقط من النسخ: "وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم".]] وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ (. فَأَوْجَبَ تَعَالَى عَلَيْنَا التَّمَسُّكَ بِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَالرُّجُوعَ إِلَيْهِمَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، وَأَمَرَنَا بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا، وَذَلِكَ سَبَبُ اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ وَانْتِظَامِ الشَّتَاتِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ مَصَالِحُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَالسَّلَامَةُ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَأَمَرَ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهَى عَنِ الِافْتِرَاقِ الَّذِي حَصَلَ لِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ. هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى التَّمَامِ، وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها (. أَمَرَ تَعَالَى بِتَذَكُّرِ نِعَمِهِ وَأَعْظَمُهَا الْإِسْلَامُ وَاتِّبَاعُ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ بِهِ زَالَتِ الْعَدَاوَةُ وَالْفُرْقَةُ وَكَانَتِ الْمَحَبَّةُ وَالْأُلْفَةُ. وَالْمُرَادُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَالْآيَةُ تَعُمُّ. وَمَعْنَى "فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً" أَيْ صِرْتُمْ بِنِعْمَةِ الْإِسْلَامِ إِخْوَانًا فِي الدِّينِ. وَكُلُّ مَا في القرآن "فَأَصْبَحْتُمْ" مَعْنَاهُ صِرْتُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً﴾ [الملك: ٣٠] [[راجع ج ١٨ ص ٢٢٢.]] أَيْ صَارَ غَائِرًا. وَالْإِخْوَانُ جَمْعُ أَخٍ، وَسُمِّيَ أَخًا لِأَنَّهُ يَتَوَخَّى مَذْهَبَ أَخِيهِ، أَيْ يَقْصِدُهُ. وشفا كل شي حَرْفُهُ، وَكَذَلِكَ شَفِيرُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ﴾ [التوبة: ١٠٩] [[راجع ج ٨ ص ٢٦٤.]]. قَالَ الرَّاجِزُ: نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ سَجْلَهْ [[السجلة: الدلو الضخمة المملوءة ماء. والمراد هنا البئر. (.)]] ... نَابِتَةٌ فوق شفاها بقلة وَأَشْفَى عَلَى الشَّيْءِ أَشْرَفَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ أَشْفَى الْمَرِيضُ عَلَى الْمَوْتِ. وَمَا بَقِيَ مِنْهُ إِلَّا شَفًا أَيْ قَلِيلٌ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلِلْقَمَرِ عِنْدَ إِمْحَاقِهِ وَلِلشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا: مَا بَقِيَ مِنْهُ إِلَّا شَفًا أَيْ قَلِيلٌ. قَالَ الْعَجَّاجُ: وَمَرْبَأٍ عَالٍ لِمَنْ تشرفا ... أشرفته بلا شفى أو بشفى قَوْلُهُ "بِلَا شَفًى" أَيْ غَابَتِ الشَّمْسُ. "أَوْ بِشَفَى" وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيَّةٌ. وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، وَفِيهِ لُغَةٌ أَنَّهُ مِنَ الْوَاوِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْأَصْلُ فِي شَفَا شَفَوَ، وَلِهَذَا يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَلَا يُمَالُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: لَمَّا لَمْ تَجُزْ فِيهِ الْإِمَالَةُ عُرِفَ أَنَّهُ مِنَ الْوَاوِ، وَلِأَنَّ الْإِمَالَةَ بَيْنَ الْيَاءِ، وَتَثْنِيَتُهُ شَفَوَانِ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَهَذَا تَمْثِيلٌ يُرَادُ بِهِ خُرُوجُهُمْ من الكفر إلى الايمان.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب