الباحث القرآني

قوله عز وجل: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ أي: عن قرابتك في الرحم وغيرهم ممن يسألك حياء منهم ورحمة لهم ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها أي: انتظار رزق من ربك أن يأتيك، أو قدوم مال غائب عنك ترجو حضوره فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً أي: هينا لينا. وعدهم عدة حسنة. وقال مقاتل: نزلت الآية في خباب بن الأرت وبلال وعمَّار ونحوهم من أصحاب الصُّفة، كانوا يسألون النبيّ ﷺ فلا يجد شيئاً يعطيهم، فيعرض عنهم، فنزلت الآية. وقال السدي: معناه لا تعرض عنهم ابتغاء أن تصيب مالاً فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً أي: قل لهم نعم وكرامة، ليس عندنا اليوم شيء، فإِن أتانا شيء نعرف حقكم. وقال محمد بن الحنفية: «كان رسول الله ﷺ لا يقول لشيء لا، فإِذا سئل وأراد أن يفعل، يقول: نعم، وإذا لم يرد أن يفعل سكت، فكان قد علم ذلك منه» . قوله: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ يقول: لا تمسك يدك في النفقة من البخل، بمنزلة المغلولة يده إلى عنقه وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ في الإسراف فتعطي جميع ما عندك، فيجيء الآخرون ويسألونك فلا تجد ما تعطيهم، وهذا قول ابن عباس. وقال قتادة: لا تمسكها عن طاعة الله وَعَنِ حقه، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ يقول: لا تنفقها في المعصية وفيما لا يصلح. وقال مقاتل في قوله: لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ، في العطية فلا يبقى عندك شيء، وإذا سئلت لم تجد ما تعطيهم. وقال بعض الحكماء: «كان النبيّ ﷺ لأمته كالوالد، ولا ينبغي للوالد أن يعطي جميع ماله لبعض ولده ويترك الآخرين، فنهاه الله تعالى أن يعطي جميع ماله لمسكين واحد، وأمره أن يقسم بالسوية كي لا ييأسوا منه» . ثم قال تعالى: فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً يعني: لو أعطيت جميع مالك فتبقى مَلُوماً يلومك الناس وتلوم نفسك مَحْسُوراً منقطعاً عن المال لا مال لك، والمحسور في اللغة: المنقطع. وروي في الخبر: «أن امرأة بعثت ابنها إلى النبيّ ﷺ فقالت له: قل له إن أمي تستكسيك درعاً، فإن قال لك حتى يأتينا شيء، فقل له: إنها إِذَنْ تستكسيك قميصك. فأتاه فقال له: إن أمي تستكسيك درعاً فقال له: «حتى يأتينا شيء» . فقال: إنها تستكسيك قميصك، قال: فنزع قميصه ودفعه إليه، ولم يبق له قميص يخرج به إلى الصلاة» [[عزاه السيوطي: 5/ 276 إلى ابن أبي حاتم عن المنهال بن عمر وابن جرير عن ابن مسعود.]] ، فنزلت هذه الآية وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً. أي: تبقى عرياناً لا تقدر أن تخرج إلى الصلاة بغير قميص. قال الفقيه: إذا أردت أن تعرف أن البخل قبيح، فانظر إلى هذه الآية، وذلك أن النبي ﷺ لما أعطى قميصه حتى عجز عن الخروج إلى الصلاة عاتبه الله تعالى على ذلك، فبدأ بالنهي عن الإمساك فقال وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً فنهاه أولاً عن البخل، ثم نهاه عن دفع الكل وهو التبذير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب