الباحث القرآني

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ. قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص: لَيْسَ الْبِرَّ بنصب الراء على معنى خبر ليس. وقرأ الباقون: بالرفع على معنى اسم ليس. من قرأ بالرفع فهو الظاهر في العربية، لأن ليس يرفع الاسم الذي بعده بمنزلة كان وأما من قرأ بالنصب، فإنه يجعل الاسم ما بعده ويجعل (البر) خبره. وتفسير الآية قال مقاتل: في قوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ، أي ليس البر أن تحولوا وجوهكم في الصلاة قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا تعملوا غير ذلك، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، يعني صدق بالله بأنه واحد لا شريك له. قرأ نافع وابن عامر وَلكِنَّ الْبِرَّ بكسر النون وضم الراء ... وقرأ الباقون: وَلكِنَّ الْبِرَّ بنصب النون مشددة وبنصب الراء. ويقال: معناه ليس البر كله في الصلاة ولكن البر ما ذكر في هذه الآية من العبادات. ثم اختلفوا في معنى قوله: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ. قال بعضهم: معناه ولكن ذو البر من آمن بالله. وقال بعضهم: معناه ولكن البر بر من آمن بالله وكلا المعنيين ذكرها الزجاج في كتابه. وقال بعضهم ليس البار من يولي وجهه إلى المشرق والمغرب، ولكن البار من آمن بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ. ثم ذكر في هذه الآية خمسة أشياء من الإيمان، فمن لم يقر بواحدة منها فقد كفر. أحدها: الإيمان بالله تعالى أنه واحد لا شريك له والتصديق باليوم الآخر وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال وأنه كائن، وأن أهل الثواب يصلون إلى الثواب وأهل العقاب يصلون إلى العقاب والتصديق بالكتاب أنه منزل من الله تعالى القرآن وسائر الكتب: التوراة والإنجيل والزبور، ويقر بالملائكة أنهم عبيده ويقر بالنبيين أنهم رسله وأنبياؤه فهذه الخمس من الإيمان فمن جحد واحدة منها فقد كفر. ثم ذكر الفضائل فقال تعالى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ، يعني يعطي المال على شهوته وجوعه وهو شحيح يخشى الفقر، ويأمل العيش. ويقال: على حبه الإعطاء بطيبة من نفسه، يعطي ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، يعني الضيف النازل وَالسَّائِلِينَ الذين يسألون الناس وَفِي الرِّقابِ، يعني المكاتبين. وقد قيل: (ابن السبيل) هو المنقطع من ماله. ثم ذكر الفرائض فقال تعالى: وَأَقامَ الصَّلاةَ المكتوبة، وَآتَى الزَّكاةَ المفروضة. وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا فيما عاهدوا فيما بينهم وبين الله تعالى وفيما بينهم وبين الناس. وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ. أي بالبأساء وهي شدة الفقر البأس قال القتبي: يعني الفقر وهو من البؤس والضراء المرض والزمانة. وَحِينَ الْبَأْسِ، يعني يصبرون عند الحرب. وقال القتبي: البأس: الشدة ومنه يقال: لا بأس عليك يعني لا شدة عليك، فلهذا سمي الحرب البأس، لأن فيه شدة. ثم قال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا يعني صدقوا في إيمانهم، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ عن نقض العهد. فإن قيل: أيش معنى قوله: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وموضعه موضع رفع ولم يقل: والصابرون؟ قيل له: قد قال بعض من تعسف في كلامه: إن هذا غلط الكاتب حين كتبوا مصحف الإمام والدليل على ذلك ما روي عن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- أنه نظر في المصحف وقال: أرى فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها وهكذا قال في سورة النساء: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء: 162] وفي سورة المائدة وَالصَّابِئُونَ. لكن الجواب عند أهل العلم أن يقال: إنما صار نصباً للمدح والكلام يصير نصباً للمدح أو للذم. ألا ترى إلى قول القائل: نَحْنُ بَنِي ضَبَّةَ أَصْحَابُ الجَمَلِ وإنما جعله نصباً للمدح. وروي عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن رجلا سأل النبيّ ﷺ عن البر فنزلت هذه الآية: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ الآية. وقال الضحاك أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا يعني صدقت نياتهم فاستقامت قلوبهم بأعمالهم. وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، يعني المطيعون لله تعالى. ثم قال تعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب