ثم قال عز وجل: ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ يعني: ذلك الذي يفعل هذا هو عالم الغيب وَالشَّهادَةِ يعني: ما غاب من العباد، وما شاهدوه. ويقال: عالم بما كان، وبما يكون.
ويقال: عالم السر والعلانية. ويقال: عالم بأمر الآخرة وأمر الدنيا الْعَزِيزُ في ملكه الرَّحِيمُ بخلقه.
قوله عز وجل: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر:
خَلَقَهُ بجزم اللام. وقرأ الباقون: بالنصب فمن قرأ بالجزم فمعناه: الذي أحسن كل شيء.
وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الإنسان في خلقه حسن، والخنزير في خلقه حسن، وكل شيء في خلقه حسن. ومن قرأ بالنصب فعلى فعل الماضي يعني: خلق كل شيء على إرادته، وخلق الإنسان في أحسن تقويم. ويقال: الذي علم خلق كل شىء خلقه. يعني:
علم كيف خلق. ويقال: هل تحسن شيئاً. يعني: تعلم. ومعناه: الذي علم خلق كل شيء خلقه. ويقال: الحسن عبارة عن الزينة. يعني: الذي زين كل شيء خلقه وأتقنه كما قال:
صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: 88] .
ثم قال: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ يعني: خلق آدم- عليه السلام- من طين من أديم الأرض ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ أي: خلق ذريته من سلالة من النطفة التي تنسل من الإنسان. وقال أهل اللغة: كل شيء على ميزان فعالة، فهو ما فضّل من شيء. يقال: نشارة ونخالة.
ثم رجع إلى آدم- عليه السلام- فقال عز وجل: مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ يعني: سوى خلقه وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ.
ثم رجع إلى ذريته فقال: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ ويقال: هذا كله في صفة الذرية يعني: ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ يعني: من نطفة ضعيفة ثُمَّ سَوَّاهُ يعني: جمع خلقه في رحم أمه وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ يعني: جعل فيه الروح بأمره، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ.
ثم قال: قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ يعني: لا تشكرون رب هذه النعم على حسن خلقكم، فتوحّدوه. فلا تستعملوا سمعكم وأفئدتكم إلا في طاعتي. ويقال: ما هاهنا صلة. فكأنه يقول:
تشكرونه قليلاً. ويقال: ما بمعنى: الذي. فكأنه قال: فقليل الذي تشكرون. وقد يكون الكلام بعضه بلفظ المغايبة.
ثم قال: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ بلفظ المخاطب، فكما قال: هاهنا ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ بلفظ المغايبة. ثم قال: وَجَعَلَ لَكُمُ بلفظ المخاطبة.
ثم قال عز وجل: وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ يعني: هلكنا وصرنا ترابا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ يعني: أنبعث بعد الموت. وأصله ضلّ الماء في اللبن إذا غاب وهلك. وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قرأ أإذا صللنا بالصاد، وتفسيره النتن. يقال: صل اللحم إذا أنتن. وقراءة العامة بالضاد المعجمة أي: هلكنا. وقرأ ابن عامر: وقالوا إذا ضَلَلْنَا إذ بغير استفهام أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ على وجه الاستفهام. قال: لأنهم كانوا يقرون بالموت ويشاهدونه. وإنما أنكروا البعث. ويكون الاستفهام في البعث دون الموت.
ثم قال عز وجل: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ يعني: بالبعث جاحدون فلا يؤمنون به.
قوله عز وجل:
{"ayahs_start":6,"ayahs":["ذَ ٰلِكَ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ","ٱلَّذِیۤ أَحۡسَنَ كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَـٰنِ مِن طِینࣲ","ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُۥ مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن مَّاۤءࣲ مَّهِینࣲ","ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِیهِ مِن رُّوحِهِۦۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِیلࣰا مَّا تَشۡكُرُونَ","وَقَالُوۤا۟ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِی ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِی خَلۡقࣲ جَدِیدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَاۤءِ رَبِّهِمۡ كَـٰفِرُونَ"],"ayah":"ذَ ٰلِكَ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ"}