ثم قال: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: يساق الذين كفروا، إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً يعني: أمة أمة، فوجاً فوجاً، وواحدتها زمرة، حَتَّى إِذا جاؤُها يعني: جهنم، فُتِحَتْ أَبْوابُها وقال أصحاب اللغة: جهنم في أصل اللغة جهنام. وهي بئر لا قعر لها. فحذفت الألف، وشددت النون، فسميت جهنم. قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم: فُتِحَتْ بتخفيف التاء. والباقون:
بالتشديد. فمن قرأ بالتشديد، فلتكثير الفعل. ومن قرأ بالتخفيف، فعلى فعل الواحد. وكذلك الاختلاف في الذي بعده.
وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أي: خزنة جهنم، وواحدها خازن. وقال القتبي: الواو قد تزاد في الكلام، والمراد به حذفه، كقوله: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [الأنبياء: 96] يعني: اقترب، وكقوله: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها [الزمر: 71] يعني: قال لهم. وهذا في كلام العرب ظاهر، كما قال امرؤ القيس. فلما أجزنا ساحة الحي، وانتحى. يعني: انتحى بغير واو.
ثم قال: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يعني: آدمياً مثلكم تفهمون كلامه يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ يعني: يقرءون عليكم ما أوحي إليهم، وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا يعني: أنهم يخوّفونكم بهذا اليوم، فكأنه يقول لهم: يا أشقياء ألم يأتكم رسل منكم؟ فأجابوه: قالُوا بَلى فيقرون بذلك في وقت لا ينفعهم الإقرار، ولو كان قولهم: بلى في الدنيا، لكان ينفعهم. ولكنهم قالوا: بلى في وقت لا ينفعهم.
وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ أي: وجبت كلمة العذاب في علم الله السابق، أنهم من أهل النار. ويقال: وجبت كلمة العذاب، وهي قوله الله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ [الأعراف: 18 وغيرها] قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أي: دائمين فيها، فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ أي: بئس موضع القرار لمن تكبر عن الإيمان.
ثم بيّن حال المؤمنين المطيعين، فقال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ يعني: اتقوا الشرك، والفواحش، إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً يعني: فوجا فوجا، بعضهم قبل الحساب اليسير، وبعضهم بعد الحساب الشديد، على قدر مراتبهم، حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها يعني:
وقد فتحت أبوابها، ويقال: وَفُتِحَتْ أَبْوابُها قبل مجيئهم تكريماً، وتبجيلاً لهم. ويقال:
الواو زيادة في الكلام. ويقال: هذه الواو منسوقة على قوله: فتحت. كما يقال في الكلام:
دخل زيد، وعمرو، وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ أي: فزتم، ونجوتم. ويقال: طابت لكم الجنة. وقال: بعض أهل العربية: في الآية دليل على أن أبواب الجنة ثمانية، لأنه قد ذكر بالواو. وإنما يذكر بالواو، إذا بلغ الحساب ثمانية، كما قال في آية أخرى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22] فذكر الواو عند الثمانية، وكما قال: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ [التوبة: 112] فذكرها كلها بغير واو فلما انتهى إلى الثمانية قال: وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: 112] ، وقال في آية أخرى: مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ [التحريم: 5] ثم قال: عند الثمانية:
وَأَبْكاراً [التحريم: 5] وعرف أن أبواب جهنم سبعة بالآية. وهي قوله: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ [الحجر: 44] . وقال أكثر أهل اللغة: ليس في الآية دليل، لأن الواو قد تكون عند الثمانية، وقد تكون عند غيرها، ولكن عرف أن أبوابها ثمانية بالأخبار، ثم إنهم لما دخلوا الجنة حمدوا الله تعالى: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ يعني: الشكر لله، الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ يعني: أنجز لنا وعده على لسان رسله، وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ يعني: أنزلنا أرض الجنة، نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ أي:
ننزل في الجنة، ونستقر فيها، حَيْثُ نَشَاءُ ونشتهي، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ أي: ثواب الموحدين، المطيعين، وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ أي: ترى يا محمد الملائكة يوم القيامة محدقين، مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي: يسبحونه، ويحمدونه.
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أي: بين الخلق. وهو تأكيد لما سبق من قوله: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ [الزمر: 69] وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يعني: لما قضي بينهم بالحق. أي: بالعدل، وميزوا من الكفار حمدوا الله تعالى. وقالوا: الحمد لله رب العالمين الذي قضى بيننا بالحق، ونجانا من القوم الظالمين. وقال مقاتل: ابتدأ الدنيا بالحمد لله رب العالمين. وهو قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وختمها بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
{"ayahs_start":71,"ayahs":["وَسِیقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَاۤ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَتۡلُونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِ رَبِّكُمۡ وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۚ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَـٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ","قِیلَ ٱدۡخُلُوۤا۟ أَبۡوَ ٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِینَ","وَسِیقَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَـٰلِدِینَ","وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَیۡثُ نَشَاۤءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِینَ","وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ حَاۤفِّینَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِیَ بَیۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِیلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"وَسِیقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَاۤ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَتۡلُونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِ رَبِّكُمۡ وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۚ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَـٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}