الباحث القرآني

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ يقول: يبرئون أنفسهم من الذنوب بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وذلك لأن رؤساء اليهود كانوا يقولون: هل على أولادنا من ذنب؟ فما نحن إلا كهيئتهم. فهذا الذي زكوا به أنفسهم، قال الله تعالى: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ أي يصلح ويبرئ من يشاء من الذنوب. ويقال: يكرم من يشاء بالإسلام وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا قال الكلبي ومقاتل: الفتيل الذي يكون في شق النواة وهو الأبيض، ويقال: هو ما فتلته بين أصبعيك من الوسخ، إذا مسحت إحداهما بالأخرى، يعني: لا ينقصون من ثواب أعمالهم بذلك المقدار. ثم قال تعالى: انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أي يختلقون على الله الكذب وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً أي ذنباً مبيناً. روى مقاتل عن الضحاك قال: الفتيل، والنقير، والقطمير كلها في النواة. ثم قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يعني أعطوا حظاً من علم التوراة يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الجبت حيي بن أخطب، والطاغوت كعب بن الأشرف. وقال القتبي: كل معبود من حجر أو صورة أو شيطان فهو جبت وطاغوت. قال: ويقال: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان. ويقال: في هذه السورة رجلان من اليهود، وإيمانهم بهما تصديقاً لهما وطاعتهم إياهما. ثم قال تعالى: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني لمشركي مكة هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا وذلك أن رؤساء اليهود قدموا مكة بعد قتال أُحد، ونقضوا العهد، وبايعوا المشركين وقالوا: أنتم أهدى سبيلاً من المسلمين. حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا الديبلي، قال: حدّثنا أبو عبيد الله، قال: حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة، قال: جاء كعب بن الأشرف وفي رواية أخرى عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب إلى مكة، فأتيا قريشاً فقالت لهما قريش أنتم أهل الكتاب وأهل العلم، فأخبرونا عنا وعن محمد، ديننا القديم ودين محمد الحديث، ونحن نصل الرحم، ونسقي الحجيج، ونفك العناة، ومحمد ﷺ صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار، فنحن أهدى أم هو؟ قالا: بل أنتم أهدى سبيلاً منهم. فأنزل الله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ الآية إلى قوله وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا يعني أهدى ديناً من المهاجرين والأنصار. قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أي خذلهم وطردهم الله من رحمته، ويقال: عذبهم الله بالجزية وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أي مانعاً. قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ يقول: لو كان لهم، يعني لليهود حظ من الملك فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً أي لا يعطون أحداً من بخلهم وحسدهم نقيراً، والنقير: النقطة التي على ظهر النواة أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ أي أيحسدون الناس. ويقال: بل يحسدون الناس يعني به محمداً ﷺ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من النبوة وكثرة تزوجه النساء، ويقولون: لو كان نبياً لشغلته النبوة عن كثرة النساء، فيحسدونه بذلك. قال الله تعالى فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ يعني النبوة والعلم والفهم وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فكان يوسف عليه السلام ملكاً على مصر، وكان سليمان بن داود عليهما السلام ملكاً، وكانت له ثلاثمائة امرأة حرّة سوى السرية، قال مقاتل هكذا. وقال الكلبي: كانت له سبعمائة امرأة، وثلاثمائة سرية، وكان لداود عليه السلام مائة امرأة، فلم يكن تمنعهم النبوة عن ذلك. ويقال: إن الفائدة في كثرة تزوجه أنه كانت له قوة أربعين نبياً، وكل من كان أقوى فهو أكثر نكاحاً. ويقال: إنه أراد بالنكاح كثرة العشيرة، لأن لكل امرأة قبيلتين، قبيلة من قبل الأب، وقبيلة من قبل الأم، فكلما تزوج امرأة صرف وجوه القبيلتين إلى نفسه، فيكونون عوناً له على أعدائه. ويقال: إن كل من كان أتقى كانت شهوته أشد، لأن الذي لا يكون تقياً إنما ينفرج بالنظر واللمس، ألا ترى إلى ما روي في الخبر «العَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَاليَدَانِ تَزْنِيَانِ» . فإذا كان في النظر وفي المس نوع من قضاء الشهوة، فلا ينظر التقي ولا يمس، فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه، فيكون أكثر جماعاً. وقال أبو بكر الوراق: كل شهوة تقسي القلب إلا الجماع، فإنه يصفي القلب، ولهذا كان الأنبياء عليهم السلام يفعلون ذلك. قوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ يعني من اليهود من آمن به، بالكتاب الذي أنزل على إبراهيم، وآمن بالكتاب الذي أنزل على محمد ﷺ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ يعني أعرض عنه مكذباً، وهذا قول الكلبي. وقال مقاتل: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ يعني من آل إبراهيم مَنْ آمَنَ بِهِ يعني بالكتاب الذي جاء به وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ لم يؤمن به. وقال الضحاك: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ يعني اليهود كانوا يحسدون قريشاً لأن النبوة فيهم فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ يعني إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط. الْكِتابَ يعني التنزيل وَالْحِكْمَةَ يعني السنة وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً يعني قريشاً وبني هاشم مُلْكاً عَظِيماً يعني الخلافة لا تصلح إلا لقريش فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ يعني بمحمد ﷺ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ أي كفر به. ثم قال تعالى: وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً أي وقوداً لمن كفر به. ثم بيّن مصير من كذب به، وموضع من آمن به، فقال تعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب