وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ يعني: المعصية وَالْعُدْوانِ يعني: الظلم، وهو الشرك، وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ يعني: الرشوة في الأحكام، لَبِئْسَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ يعني:
لبئس ما كانوا يتزودون من دنياهم لآخرتهم.
ثم قال: لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ يعني: هلاّ ينهاهم الربانيون يعني: علماؤهم وعبادهم. وإنما شكا من علماء السوء الذين لا يأمرون بالمعروف، ويجالسونهم، ويؤاكلونهم، وكل عالم لم يأمر بالمعروف، ويجالس أهل الظلم، والمعصية، فإنه يدخل في هذه الآية، فقال: وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَصْنَعُونَ حين لم ينهوهم عن قولهم الإثم، وأكلهم السحت، ورضوا بفعلهم.
قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وذلك أن الله تعالى قد بسط عليهم الرزق، فلما عصوه وجحدوا نعمته، قتر عليهم الرزق، فقالوا عند ذلك: يد الله محبوسة عن البسط، فأمسك عنا الرزق.
قال الله تعالى: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ يعني: أمسكت أيديهم عن الخير، ويقال: هذا وعيد لهم، غلت أيديهم في نار جهنم. ويقال: جُعِلوا بخلاء، فلا يعطون الناس شيئاً مما أعطاهم الله تعالى.
ثم قال: وَلُعِنُوا بِما قالُوا يعني: عُذِّبوا وطُرِدوا من رحمة الله، لقولهم ذلك. ثم قال: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يعني: رزقه واسع باسط على خلقه يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ يقول:
يرزق لمن يشاء مقدار ما يشاء، فله خزائن السموات والأرض. وهذا كما روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «قَالَ الله تَعَالى: لَوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ، وَآخِرَكُمْ، وَجِنَّكُمْ، وَإِنْسَكُمْ، سَأَلَ كُلُّ رَجُلٍ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ، لَمْ يَنْقُصْ ذلك مِنْ خَزَائِنِ مُلْكِي مِقْدَارَ مَا يُغْتَرَفُ مِنَ البَحْرِ بِرَأسِ إبْرَةٍ وَاحِدَةٍ» .
ثم قال تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ يعني: من اليهود، مَّا أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن، مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً يعني: تمادياً بالمعصية، وَكُفْراً وجحوداً بالقرآن يعني: كل ما نزل عليك شيء من القرآن كفروا به، فيزيد جحودهم في طغيانهم، وإنما نسب ذلك إلى ما أنزله، لأن ذلك سبب لطغيانهم وجحودهم. وهذا كما قال في آية أخرى: وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الإسراء: 82] يعني: أن ذلك سبب لخسرانهم.
ثم قال تعالى: وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعني: جعلهم الله مختلفين في دينهم، متباغضين كما قال في آية أخرى: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر: 14] .
ثم قال: كُلَّما أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ يقول: كلما أجمعوا أمرهم على المكر بمحمد ﷺ وأصحابه فرقه الله تعالى، وأطفأ نار مكرهم، أي: يسكته الله تعالى، ووهن أمرهم، وهذا على وجه الكناية كما قال: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي، كانَتْ عَلَيْهِمْ ثم قال: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً يعني: يعملون فيها بالمعاصي، ويدعون الناس إلى عبادة غير الله تعالى، وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ يعني: لا يرضى بعمل الذين يعملون بالمعاصي، والله لا يحب أهل الفساد، ولا عملهم.
وقوله تعالى:
{"ayahs_start":62,"ayahs":["وَتَرَىٰ كَثِیرࣰا مِّنۡهُمۡ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","لَوۡلَا یَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِیُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَصۡنَعُونَ","وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ یَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَیۡدِیهِمۡ وَلُعِنُوا۟ بِمَا قَالُوا۟ۘ بَلۡ یَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ یُنفِقُ كَیۡفَ یَشَاۤءُۚ وَلَیَزِیدَنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم مَّاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡیَـٰنࣰا وَكُفۡرࣰاۚ وَأَلۡقَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ كُلَّمَاۤ أَوۡقَدُوا۟ نَارࣰا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادࣰاۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"],"ayah":"وَتَرَىٰ كَثِیرࣰا مِّنۡهُمۡ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"}