ثم قال تعالى: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا الشهادة وإمّا الغنيمة.
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ، يعني: ننتظر بكم أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ وهو الموت، أَوْ بِأَيْدِينا، يعني: فيأمرنا أن نقتلكم ويقال: معناه قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، يعني: إلا إحدى الخبرين. ونحن نتربص بكم احد الشرين، فبين ما ننتظر وتنتظرونه فرق عظيم. فَتَرَبَّصُوا، يعني: انتظروا بنا الهلاك. إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ، من المتربصين يعني:
المنتظرين لإهلاككم.
ثم قال عز وجل: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، يعني: قل للمنافقين، أنفقوا طَوْعاً من قبل أنفسكم، أَوْ كَرْهاً مخافة القتل. لَنْ يُتَقَبَّلَ الله مِنْكُمْ النفقة. إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ يعني: منافقين. فقوله: أَنْفِقُوا اللفظِ لفظ الأمر، ومعناه معنى الخبر، يعني: إن أنفقتم، كما إنه يذكر لفظ الخبر والمراد به الأمر، كقولك: غفر الله لك، وقولك: رحم الله فلاناً، يعني: اللهم اغفر، وهاهنا اللفظ لفظ الأمر ومعناه الخبر والشرط يعني: إن أنفقتم طوعاً أو كرها، لن يتقبل الله منكم. قرأ حمزة والكسائي كَرْهاً بضم الكاف، وقرأ الباقون كَرْهاً بالنصب.
ثم بين المعنى الذي لم تقبل نفقاتهم من أجله، قال تعالى: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، يعني: في السر. قرأ حمزة والكسائي لن يقبل منهم بالياء على معنى التذكير، وقرأ الباقون بلفظ التأنيث، لأن الفعل مقدم، فيجوز أن يذكر ويؤنث.
وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى، يعني: متثاقلين ولا يرونها واجبة عليهم، وَلا يُنْفِقُونَ في الجهاد إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ على النفقة غير محتسبين.
ثم قال عز وجل: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ، يعني: كثرة أموالهم وأولادهم إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. في الآية تقديم وتأخير، قال ابن عباس: «فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنَّما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة» . ثم قال:
وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ، يعني: تذهب أنفسهم وتقبض أرواحهم، وأصله الذهاب، كقوله تعالى وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [الإسراء: 81] وَهُمْ كافِرُونَ، يعني: تقبض أرواحهم على الكفر.
{"ayahs_start":52,"ayahs":["قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَیَیۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن یُصِیبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابࣲ مِّنۡ عِندِهِۦۤ أَوۡ بِأَیۡدِینَاۖ فَتَرَبَّصُوۤا۟ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ","قُلۡ أَنفِقُوا۟ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهࣰا لَّن یُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمࣰا فَـٰسِقِینَ","وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَـٰتُهُمۡ إِلَّاۤ أَنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا یَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا یُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَـٰرِهُونَ","فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَ ٰلُهُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُم بِهَا فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ"],"ayah":"قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَیَیۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن یُصِیبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابࣲ مِّنۡ عِندِهِۦۤ أَوۡ بِأَیۡدِینَاۖ فَتَرَبَّصُوۤا۟ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ"}