الباحث القرآني

قوله تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ، يعني: يطعنون ويعيبون الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ، وذلك أن النبيّ ﷺ حين أراد أن يخرج إلى غزوة تبوك، حثَّ الناس على الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم، وزن كل درهم مثقالاً، فقال: «أَكْثَرْتَ، هَلْ تَرَكْتَ لأهْلِكَ شَيْئاً» ؟ فقال: يا رسول الله، كان مالي ثمانية آلاف درهم، فأما أربعة آلاف درهم التي جئت بها فأقرضتها ربي، وأما أربعة آلاف التي بقيت فأمسكتها لنفسي وعيالي، فقال له رسول الله ﷺ: «بارك الله لك فيما أَعْطَيْتَ، وَفِيمَا أمْسَكْتَ» . فبارك الله فيه، حتى بلغ ماله حين مات وقد كان طلق إحدى نسائه الثلاث في مرضه، فصالحوها من ثلث الثمن على ثمانين ألف درهم ونيف. وفي رواية أُخرى: ثمانين ألف دينار ونيف [[عزاه السيوطي: 4/ 249 إلى البزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن أبي هريرة.]] . وجاء عاصم بن عدي بسبعين وسقاً من تمر، وكل واحد منهم جاء بمقدار طاقته، حتى جاء أبو عقيل بن قيس بصاع من تمر وقال: آجرت نفسي الليلة بصاعين، فصاع أقرضته لربي، وصاع تركته، فأمره بأن ينثره في الصدقة. وروي أن امرأة، جاءت إلى النبيّ ﷺ بتمرةٍ واحدة، فلم ينظر النبيّ ﷺ إليها فنزل: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إلى آخره. وكان نفر من المنافقين جلوساً يستهزئون فقالوا: لقد تصدق عبد الرحمن وعاصم بن عدي رياء، ولقد كان الله غنياً عن صاع أبي عقيل، فنزل [[عزاه السيوطي: 4/ 249 إلى ابن مردويه عن أبي سعيد و 4/ 251 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]] : الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني: يطعنون المتصدقين الذين يتصدقون بأموالهم وهم عبد الرحمن وعاصم وغيرهما. وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ، قال أهل اللغة: الجُهْدُ بالضم الطاقة، والجَهْدُ بالنصب المشقة. وقال الشعبي: الجُهْدُ هو القيتة يعني: القلة، والجَهْد بالنصب هو الجَهْدُ في العمل. فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ. يقول: يستهزئون بهم. سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ، يعني: يجازيهم جزاء سخريتهم. وهذا كقوله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: 15] . ثم قال: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، يعني: وجيع دائم. فلما نزلت هذه الآية، جاءوا إلى النبيّ ﷺ فقالوا: يا رسول الله، استغفر لنا فنزل: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ: قوله: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللفظ لفظ الأمر، ومعناه معنى الخبر، فمعناه: إن شئت استغفر لهم، وإن شئت فلا تستغفر لهم، يعني: للمنافقين. إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً يعني: فإنك إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ. ثم بَيَّنَ المعنى الذي لم يغفر لهم بسببه، فقال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، يعني: في السر. وقال قتادة ومجاهد: لما نزلت هذه الآية قال النبي ﷺ: «لأزيدنّ على سبعين مرة، فاستغفر لهم، أكثر من سبعين مرة لعل الله يغفر لهم» [[عزاه السيوطي: 4/ 253 إلى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة.]] فأنزل الله تعالى سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون: 6] ثم قال: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ، يعني: المنافقين الذين كفروا بالله ورسوله في السر، والله تعالى لا يهديهم ما داموا ثابتين على النفاق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب