الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وتعلقوا بأسباب الله جميعًا. يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عَهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله. * * * وقد دللنا فيما مضى قبلُ على معنى"الاعتصام" [[انظر تفسير"الاعتصام" فيما سلف قريبا ص: ٦٢، ٦٣.]] * * * وأما"الحبل"، فإنه السبب الذي يوصَل به إلى البُغية والحاجة، ولذلك سمي الأمان"حبلا"، لأنه سبب يُوصَل به إلى زوال الخوف، والنجاة من الجزَع والذّعر، ومنه قول أعشى بني ثعلبة: وَإذَا تُجَوِّزُهَا حِبَالُ قَبِيلَةٍ ... أَخَذَتْ مِنَ الأخْرَى إلَيْكَ حِبَالَها [[ديوانه: ٢٤، ومشكل القرآن: ٣٥٨، والمعاني الكبير: ١١٢٠، واللسان (حبل) وغيرها. من قصيدته في قيس بن معد يكرب، ومضت منها أبيات في ٤: ٢٣٨، ٣٢٧، وهذا البيت في ذكر ناقته، يقول قبله: فَتَرَكْتُها بَعْدَ المِرَاحِ رَذِيةً ... وَأَمِنْتُ عِنْدَ رُكُوبِهَا إِعْجَالَها فَتَنَاوَلتْ قَيْسًا بِحُرِّ بِلادِه ... فأتَتْهُ بَعْدَ تَنُوفَةٍ فأَنَالَهَا فإِذَا تُجَوِّزُهَا............ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقد مضى قبل مثل هذا البيت الأخير ص: ٦٢، تعليق: ٢ إلَى المرءِ قيسٍ أُطِيلُ السُّرَى ... وَآخذُ من كُلّ حَيٍّ عُصُمْ يقول: إذا أخذت من قبيلة عهودها حتى أجتاز ديارها آمنًا، أعطتها القبيلة التي تليها عهدًا وذمامًا أن تخترق ديارها آمنة لا ينالها أحد بسوء. وذلك أن القبائل كلها ترهب قيسًا وتخافه، فكل قاصد إليه، أجد الأمان حيث سار، لأنه بقصده قيسًا جار له، لا يطيق أحد أن يناله بسوء.]] ومنه قول الله عز وجل: ﴿إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ [سورة آل عمران: ١١٢] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٧٥٦٢- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا العوّام، عن الشعبي، عن عبد الله بن مسعود أنه قال في قوله:"واعتصموا بحبل الله جميعا"، قال: الجماعة. ٧٥٦٣- حدثنا المثني قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن العوّام، عن الشعبي، عن عبد الله في قوله:"واعتصموا بحبل الله جميعًا"، قال: حبلُ الله، الجماعة. * * * وقال آخرون: عنى بذلك القرآنَ والعهدَ الذي عَهِدَ فيه. * ذكر من قال ذلك: ٧٥٦٤- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:" واعتصموا بحبل الله جميعًا"، حبل الله المتين الذي أمر أن يُعتصم به: هذا القرآن. ٧٥٦٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:"واعتصموا بحبل الله جميعًا" قال: بعهد الله وأمره. ٧٥٦٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن شقيق، عن عبد الله قال: إن الصراط مُحْتَضَر تحضره الشياطين، ينادون: يا عبد الله، هلمّ هذا الطريق! ليصدّوا عن سبيل الله،. فاعتصموا بحبل الله، فإن حبلَ الله هو كتاب الله. [[الأثر: ٧٥٦٦- رواه في مجمع الزوائد بغير هذا اللفظ، وهو قريب منه. ونسبه إلى الطبراني وقال: "رواه عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيف". وهذا الذي رواه الطبري إسناد صحيح.]] ٧٥٦٧ - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد بن المفضل، عن أسباط، عن السدي:"واعتصموا بحبل الله جميعًا"، أما"حبل الله"، فكتاب الله. ٧٥٦٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"بحبل الله"، بعهد الله. ٧٥٦٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء:"بحبل الله"، قال: العهد. ٧٥٧٠- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله:"واعتصموا بحبل الله" قال: حبلُ الله: القرآن. ٧٥٧١- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"واعتصموا بحبل الله جميعًا"، قال: القرآن. ٧٥٧٢- حدثنا سعيد بن يحيى قال: حدثنا أسباط بن محمد، عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: كتاب الله، هو حبل الله الممدودُ من السماء إلى الأرض. [[الحديث: ٧٥٧٢- عبد الملك بن أبي سليمان العرزمى -بسكون الراء ثم زاي مفتوحة- أحد الأئمة: مضى توثيقه: ١٤٥٥. عطية: هو ابن سعد بن جنادة -بضم الجيم- العوفي. وقد بينا في: ٣٠٥ أنه ضعيف. وقد سقط من المخطوطة والمطبوعة هنا قوله [عن عطية] . وزدناه من نقل ابن كثير ٢: ٢٠٣، عن هذا الموضع من الطبري. ثم الحديث -من حديث أبي سعيد- يدور في كل ما رأينا من طرقه على عطية العوفي، كما سيأتي: فرواه أحمد في المسند: ١١٢٢٩، ١١٥٨٢ (ج٣ص ٢٦، ٥٩ حلبي) ، عن ابن نمير، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد، بنحوه، مرفوعًا مطولا. ورواه أيضا: ١١١٢٠ (ج ٣ ص ١٤) ، من طريق إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي، عن عطية. ورواه أيضا: ١١١٤٨ (ج ٣ ص ١٧) ، عن أبي النضر، عن محمد بن طلحة، عن الأعمش عن عطية العوفي. وكذلك رواه الترمذي ٤: ٣٤٣، من طريق محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد -وعن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم، مرفوعًا، نحوه مطولا. فهو عنده عن أبي سعيد وعن زيد بن أرقم. ثم قال: "هذا حديث حسن غريب". فأما حديث أبي سعيد، فقد بينا أنه ضعيف، من أجل عطية العوفي. وأما حديث زيد بن أرقم، فإنه حديث صحيح. وهو قطعة من قصة مطولة، رواها أحمد في المسند ٤: ٣٦٦ - ٣٦٧ (حلبي) . ورواها مسلم ٢: ٢٣٧ - ٢٣٨، مطولة ومختصرة. وروى ابن حبان في صحيحه، رقم: ١٢٣ (بتحقيقنا) - قطعة منه، فيها أن"كتاب الله، هو حبل الله". ثم نعود لحديث أبي سعيد: فذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ١٦٣، مطولا، بنحو رواية الترمذي. ثم قال: "رواه الطبراني في الأوسط. وفي إسناده رجال مختلف فيهم"! ولست أدرى، لم ذكره في الزوائد، وهو في الترمذي؟ ثم لم ترك نسبته للمسند، وهو مروي فيه أربع مرات؟! وذكره السيوطي ٢: ٦٠، مختصرًا كما هنا. ولم ينسبه إلا لابن أبي شيبة وابن جرير. ثم ذكر الرواية المطولة عن أبي سعيد. ونسبه لابن سعد، وأحمد، والطبراني.]] * * * وقال آخرون: بل ذلك هو إخلاص التوحيد لله. * ذكر من قال ذلك: ٧٥٧٣- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله:"واعتصموا بحبل الله جميعا"، يقول: اعتصموا بالإخلاص لله وحده. ٧٥٧٤- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"واعتصموا بحبل الله جميعًا"، قال: الحبل، الإسلام. وقرأ"ولا تفرقوا". * * * القول في تأويل قوله عز وجل: ﴿وَلا تَفَرَّقُوا﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"ولا تفرقوا"، ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه، من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله ﷺ، والانتهاء إلى أمره. كما:- ٧٥٧٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم"، إنّ الله عز وجل قد كره لكم الفُرْقة، وقدّم إليكم فيها، وحذّركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمعَ والطاعة والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضى الله لكم إن استطعتم، ولا قوّة إلا بالله. ٧٥٧٦- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبى العالية:"ولا تفرّقوا"، لا تعادَوْا عليه، يقول: على الإخلاص لله، وكونوا عليه إخوانًا. [[في المخطوطة"وتكونوا عليه إخوانا"، والصواب ما في المطبوعة، والدر المنثور ٢: ٦١]] ٧٥٧٧- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح: أن الأوزاعي حدثه، أنّ يزيد الرقاشي حدّثه أنه سمع أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ:"إنّ بني إسرائيل افترقت على إحدى وسَبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة. قال: فقيل: يا رسول الله، وما هذه الواحدة؟ قال: فقبض يَدَه وقال: الجماعة،"واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا". [[الحديث: ٧٥٧٧- يزيد الرقاشي: هو يزيد أبان، أبو عمرو، البصري القاص. وقد أشرنا في شرح: ٦٦٥٤، ٦٧٢٨ إلى أنه ضعيف. وقال البخاري في الكبير ٤ / ٢ / ٣٢٠: "كان شعبة يتكلم فيه"، وقال النسائي في الضعفاء: "متروك"، وقال ابن سعد ٧ / ٢ / ١٣: "كان ضعيفًا قدريًا". والحديث رواه ابن ماجه: ٣٩٩٣، من طريق الوليد بن مسلم: "حدثنا أبو عمرو [هو الأوزاعي] ، حدثنا قتادة، عن أنس. فذكره نحوه مرفوعًا، ولكن آخره عنده: "كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة". وقال البوصيري في زوائده: "إسناده صحيح. رجاله ثقات". وهو كما قال. فيكون الأوزاعي رواه عن شيخين، أحدهما ضعيف، والآخر ثقة. وأن الضعيف -يزيد الرقاشي- زاد الاستشهاد بالآية. ولا بأس بذلك، فالمعنى قريب. وذكره السيوطي ٢: ٦٠، وزاد نسبته لابن أبي حاتم.]] ٧٥٧٨- حدثني عبد الكريم بن أبي عمير قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، سمعت الأوزاعي يحدث، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ نحوه. [[الحديث: ٧٥٧٨- هذا الحديث تكرار للحديث قبله. وعبد الكريم بن أبي عمير - شيخ الطبري: ذكره الذهبي في الميزان ٢: ١٤٤ بلقب"للدهان"، وقال: "فيه جهالة. والخبر منكر". يريد حديثًا آخر، بينه الحافظ في لسان الميزان ٤: ٥٠ - ٥١، عن تاريخ بغداد. في ترجمة رجل آخر. وهو في تاريخ بغداد ٣: ٢٤٢. وفيه اسم هذا الشيخ في ذاك الإسناد: "عبد الكريم بن أبي عمير الدهقان". ولم أجد له ترجمة ولا ذكرًا في موضع آخر.]] ٧٥٧٩- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا المحاربي، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي، عن ثابت بن قُطْبَة المدنيّ، عن عبد الله: أنه قال:"يا أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمرَ به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطاعة، هو خيرٌ مما تستحبون في الفرقة". [[الأثر: ٧٥٧٩-"ثابت بن قطبة المدني الثقفي"، مترجم في الكبير ١ / ٢ / ١٦٨، والجرح ١ / ١ / ٤٥٧، قال البخاري: "سمع ابن مسعود، روى عنه أبو إسحاق، والشعبي" وزاد ابن أبي حاتم: "وزياد بن علاقة، وسالم بن أبي الجعد". وكان في المطبوعة في هذا الموضع وفي الأثرين التاليين"ثابت بن قطنة" بالنون من"قطنة"، وهو خطأ. وفي المخطوطة في هذا الأثر"فطنه" غير منقوطة، ونقطت الباء في الأثرين التاليين. وفي المخطوطة والمطبوعة: "المرى" في هذا الأثر وفي رقم: ٧٥٨١، والصواب"المدني" كما أثبته، وثابت ثقفي، لا مرى.]] ٧٥٨٠- حدثنا عبد الحميد بن بيان السكريّ قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن ثابت بن قطبَة قال: سمعت ابن مسعود وهو يخطب وهو يقول: يا أيها الناس، ثم ذكر نحوه. [[الأثر: ٧٥٨٠- في المطبوعة: "عبد الحميد بن بيان اليشكري"، وهو خطأ، والصواب المخطوطة. وقد سلف مثل هذا الخطأ في رقم: ٧٣٧٨، فانظر التعليق عليه.]] ٧٥٨١- حدثنا إسماعيل بن حفص الأبُلِّيُّ قال، حدثنا عبد الله بن نمير أبو هشام قال، حدثنا مجالد بن سعيد، عن عامر، عن ثابت بن قطبة المدني قال: قال عبد الله: عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمرَ به، ثم ذكر نحوه. [[الأثر: ٧٥٨١-"إسماعيل بن حفص بن عمرو الأبلى، أبو بكر الأودي البصري، و"الأبلي" (بضم الهمزة والباء الموحدة، واللام المشددة المكسورة) نسبة إلى"الأبلة". وفي بعض الكتب"الأيلي" بالياء. روى عن أبيه، وحفص بن غياث، ومعتمر بن سليمان وغيرهم. روى عنه النسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وجماعة. وسمع منه أبو حاتم، قال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي عنه فقال: كتبت عنه وعن أبيه، وكان أبوه يكذب، وهو بخلاف أبيه. قلت: لا بأس به؟ قال: لا يمكنني أن أقول لا بأس به". وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ١٦٥.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"واذكروا نعمة الله عليكم"، واذكروا ما أنعم الله به عليكم من الألفة والاجتماع على الإسلام. واختلف أهل العربية في قوله:"إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم". فقال بعض نحويي البصرة في ذلك: انقطع الكلام عند قوله:"واذكروا نعمة الله عليكم"، ثم فسر بقوله:"فألف بين قلوبكم"، وأخبرَ بالذي كانوا فيه قبل التأليف، كما تقول:"أمسَكَ الحائط أن يميل". وقال بعض نحويي الكوفة: قوله"إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم"، تابع قوله:"واذكروا نعمة الله عليكم" غير منقطعة منها. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله:"إذ كنّتم أعداءً فألّف بين قلوبكم"، متصل بقوله:"واذكروا نعمة الله عليكم"، غير منقطع عنه. وتأويل ذلك: واذكروا، أيها المؤمنون، نعمة الله عليكم التي أنعمَ بها عليكم، حين كنتم أعداء في شرككم، [[في المطبوعة: "أي بشرككم"، وليست بشيء، وفي المخطوطة"أي شرككم" ولا معنى لها، وفيها زيادة ألف"أي"، و"ى" هي"في" فالذي أثبته هو الصواب والسياق.]] يقتل بعضكم بعضًا، عصبيةً في غير طاعة الله ولا طاعة رسوله، فألف الله بالإسلام بين قلوبكم، فجعل بعضكم لبعض إخوانًا بعد إذ كنتم أعداءً تتواصلون بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه، كما:- ٧٥٨٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم"، كنتم تذابحون فيها، يأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام، فآخى به بينكم، وألَّف به بينكم. أما والله الذي لا إله إلا هو، إنّ الألفة لرحمة، وإن الفرقة لعذابٌ. ٧٥٨٣- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء"، يقتل بعضكم بعضًا، ويأكل شديدُكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام، فألف به بينكم، وجمع جمعكم عليه، وجعلكم عليه إخوانًا. * * * قال أبو جعفر: فالنعمة التي أنعم الله على الأنصار التي أمرهم تعالى ذكره في هذه الآية أن يذكرُوها، هي ألفة الإسلام، واجتماع كلمتهم عليها = والعداوةُ التي كانت بينهم، التي قال الله عز وجل:"إذ كنتم أعداء" فإنها عداوة الحروب التي كانت بين الحيين من الأوس والخزرج في الجاهلية قبل الإسلام، يزعم العلماء بأيام العرب أنها تطاولت بينهم عشرين ومائة سنة،. كما:- ٧٥٨٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة، حتى قام الإسلام وهم على ذلك، فكانت حربهم بينهم وهم أخوان لأب وأم، فلم يسمع بقوم كان بينهم من العداوة والحرب ما كان بينهم. ثم إن الله عز وجل أطفأ ذلك بالإسلام، وألف بينهم برسوله محمد ﷺ. [[الأثر: ٧٥٨٤- لم أستطع أن أهتدي إلى مكانه من سيرة ابن هشام في هذه الساعة.]] * * * فذكَّرهم جل ثناؤه إذ وعظهم، عظيمَ ما كانوا فيه في جاهليتهم من البلاء والشقاء بمعاداة بعضهم بعضًا وقتل بعضهم بعضًا، وخوف بعضهم من بعض، وما صارُوا إليه بالإسلام واتباع الرّسول ﷺ، والإيمان به وبما جاء به، من الائتلاف والاجتماع، وأمن بعضهم من بعض، ومصير بعضهم لبعض إخوانًا، وكأن سبب ذلك ما:- ٧٥٨٥- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة المدني، عن أشياخ من قومه، قالوا: قدم سويد بن صامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا. قال: وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم الكامل لجلده وشعره ونسبه وشرفه. قال: فتصدى له رسول الله ﷺ حين سمع به، فدعاه إلى الله عز وجل وإلى الإسلام، قال: فقال له سويد: فلعل الذي مَعك مثل الذي معي! قال: فقال له رسول الله ﷺ:"وما الذي معك؟ قال: مجلة لقمان -يعني: حكمة لقمان- فقال له رسول الله ﷺ:"اعرضْها عليّ" فعرضها عليه، فقال:"إن هذا لكلام حسنٌ، [[في المطبوعة: "إن هذا الكلام"، وهو خطأ، والصواب من المخطوطة وسيرة ابن هشام.]] معي أفضل من هذا، قرآنٌ أنزله الله عليّ هدًى ونورٌ. قال: فتلا عليه رسول الله ﷺ القرآنَ، ودعاه إلى الإسلام، فلم يُبعد منه، وقال: إن هذا لقولٌ حَسن! ثم انصرف عنه وقدم المدينةَ، فلم يلبث أن قتلته الخزرج. فإن كان قومه ليقولون: قد قتل وهو مسلم. وكان قتله قبل يوم بُعاثٍ. [[الأثر: ٧٥٨٥- سيرة ابن هشام ٢: ٦٧ - ٦٩.]] ٧٥٨٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، [[في المطبوعة: "الحسين بن عبد الرحمن ... "، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة وسيرة ابن هشام، وهو مترجم في التهذيب.]] أحد بني عبد الأشهل: أن محمودَ بن لبيد، [[في المطبوعة: "محمود بن أسد"، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة، ولم يحسن الناشر قراءتها لخلوها من النقط، وصوابه أيضًا في ابن هشام. و"محمود بن لبيد الأشهلي" تابعي، واختلف في صحبته. مترجم في التهذيب.]] أحدَ بني عبد الأشهل قال: لما قدم أبو الحَيْسر أنس بن رافع مكة، [[في المطبوعة والمخطوطة: "أبو الجيش أنس بن رافع"، وهو خطأ فاحش، صوابه من سيرة ابن هشام ٢: ٦٩، وسائر كتب التاريخ.]] ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، [[في المخطوطة والمطبوعة: "على قوم من الخزرج"، والصواب ما في سيرة ابن هشام. كما أثبت.]] سمع بهم رسول الله ﷺ، فأتاهم فجلس إليهم فقال"هل لكم إلى خير مما جئتم له؟ " قالوا: وما ذاك؟ قال:"أنا رسولُ الله، بعثني إلى العباد أدعوهم إلى الله أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، [[في المخطوطة: "أن يعبدون الله. . ." سهو من الناسخ، وفي ابن هشام"أدعوهم إلى أن يعبدوا الله".]] وأنزل عليَّ الكتاب. ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ، وكان غلامًا حدُثًا: [[غلام حدث (بفتح الحاء وضم الدال) : كثير الحديث حسن السياق له.]] أيْ قوم، هذا والله خير مما جئتم له! قال: فيأخذ أبو الحَيْسَر أنس بن رافعَ حفنةً من البطحاء، [[في المطبوعة: "فأخذ أبو الجيش"، والصواب ما أثبت من سيرة ابن هشام.]] فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا! قال: فصمت إياس بن معاذ، وقام رسول الله ﷺ عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعةُ بعاث بين الأوس والخزرج. قال. ثم لم يلبث إياسُ بن معاذ أن هلك. قال: فلما أراد الله إظهارَ دينه، وإعزاز نبيه ﷺ، وإنجازَ موعده له، خرج رسول الله ﷺ في الموسم الذي لقي فيه النفرَ من الأنصارَ يعرض نفسه على قبائل العرب، [[في المخطوطة والمطبوعة: "خرج رسول الله ﷺ الموسم. . ." بإسقاط"في" وأثبتها من ابن هشام. وفي ابن هشام: "فعرض نفسه" بالفاء، وما في مخطوطة الطبري، جيد]] كما كان يصنع في كل موسم. فبينا هو عند العقبة، إذ لقي رهطًا من الخزرج أراد الله بهم خيرًا [[في المطبوعة: "لهم خيرًا"، والصواب من المخطوطة وابن هشام.]] . =قال ابن حميد قال، سلمة قال، محمد بن إسحاق، فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة؛ عن أشياخ من قومه قالوا: لما لقيهم رسول الله ﷺ قال لهم:"من أنتم؟ " قالوا: نفر من الخزرج قال، أمن موالي يهود؟ [["موالي يهود": أي من حلفائهم، والمولي: الحليف.]] قالوا: نعم قال: أفلا تجلسون حتى أكلمكم؟ قالوا: بلى!. قال: فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله، وعرَض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن. قال: وكان مما صنَع الله لهم به في الإسلام، [[هذا هو النص الصحيح، لما أثبت ناشر سيرة ابن هشام، مخالفا أصول السيرة، وما جاء هنا.]] أنّ يهود كانوا معهم ببلادهم، وكانوا أهلَ كتاب وعلم، وكانوا أهل شرك، أصحابَ أوثان، [[في ابن هشام: "وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان"، وما في الطبري صواب أيضا.]] وكانوا قد غزوهم ببلادهم. فكانوا إذا كان بينهم شيء، قالوا لهم: إن نبيًّا الآن مبعوث قد أظلّ زمانه، نتبعه ونقتلكم معه قتلَ عاد وإرَم!. فلما كلم رسول الله ﷺ أولئك النفرَ ودعاهم إلى الله عز وجل، قال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله إنه للنبي الذي تَوَعَّدُكم به يهود، فلا يسبقُنَّكم إليه! [[في المطبوعة والمخطوطة: "ولا يسبقنكم" بالواو، وأثبت ما في سيرة ابن هشام.]] فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صَدّقوه وقبلوا منه ما عَرَض عليهم من الإسلام، وقالوا له: [[في المطبوعة والمخطوطة: "قالوا" بإسقاط الواو، والصواب ما في سيرة ابن هشام.]] إنا قد تركنا قومَنا ولا قومَ بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسَى الله أن يجمعهم بك، وسنَقْدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين؛ فإن يجمعهم الله عليه، فلا رجلَ أعزّ منك. ثم انصرفوا عن رسول الله ﷺ راجعين إلى بلادهم، قد آمنوا وصدّقوا = وهم فيما ذكر لي ستة نفر. قال: فلما قدموا المدينة على قومهم، ذكرُوا لهم رسولَ الله ﷺ، ودعوهم إلى الإسلام، حتى فَشا فيهم، فلم تَبقَ دارٌ من دور الأنصار إلا وفيها ذكرٌ من رسول الله ﷺ. حتى إذا كان العامُ المقبل، وافى الموسمَ من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة، وهي العقبة الأولى، فبايعوا رسول الله ﷺ على بيْعَة النساء، [[بيعة النساء، هي البيعة المذكورة في [سورة الممتحنة: ١٢] ، ونصها فيما رواه ابن إسحاق بإسناديه عن عبادة بن الصامت أنه قال (ابن هشام ٢: ٧٥، ٧٦) : "بايعنا رسول الله ﷺ لَيلَةَ العقبة الأولى على أن لا نُشْرك بالله شيئًا، ولا نَسْرِق، ولا نزني، ولا نقتُل أولادَنا، ولا نأتي ببُهْتانٍ نَفتريهِ من بين أيدينا وأرجُلنا، ولا نَعْصِيه في معروفٍ = فإِن وَفَيْتُم، فلكُمُ الجنَّة. وإن غَشِيتُم من ذلك شيئًا فأُخِذْتم بحدِّه في الدنيا، فهو كفَّارةٌ لكم. وإن سترتُم عليه إلى يوم القيامة، فأمركم إلى الله، إن شاءَ عذب وإن شاءَ غفر". وهذه بيعة لم يذكر فيها القتال والجهاد، مما كتبه الله على الرجال دون النساء، ولذلك سميت بيعة النساء، لأنها مطابقة لبيعتهن المذكورة في سورة الممتحنة.]] وذلك قبل أن تُفترَض عليهم الحرب. [[الأثر: ٧٥٨٦- سيرة ابن هشام ٢: ٦٩ - ٧٣، وهو تابع الأثر السالف رقم: ٧٥٨٥.]] ٧٥٨٧- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن عكرمة: أنه لقىَ النبي ﷺ ستةُ نفرٍ من الأنصار فآمنوا به وصدّقوه، فأراد أن يذهبَ معهم، فقالوا: يا رسول الله، إن بين قومنا حربًا، وإنا نخافُ إن جئت على حالك هذه أن لا يتهيأ الذي تريدُ. فوعدوه العامَ المقبلَ، وقالوا: يا رسول الله، نذهب، فلعلّ الله أن يُصْلح تلك الحرب! قال: فذهبوا ففعلوا، فأصلح الله عز وجل تلك الحرب، وكانوا يُرَوْن أنها لا تَصْلُح = وهو يوم بُعاث. فلقوه من العام المقبل سبعينَ رجلا قد آمنوا، فأخذ عليهم النقباءَ اثني عشر نقيبًا، فذلك حين يقول:"واذكروا نعمة الله عليكم إذْ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم". ٧٥٨٨- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما:"إذ كنتم أعداء"، ففي حرب ابن سُمَير [[في المخطوطة والمطبوعة"ففي حرب فألف ... " أسقط"ابن سمير"، وسيأتي نص قول السدي، كما أثبته بعد ص ٨٣ س: ٣.]] ="فألف بين قلوبكم"، بالإسلام. ٧٥٨٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة بنحوه = وزاد فيه: فلما كان من أمر عائشة ما كان، [[يعني ما كان من حديث الإفك في أمر عائشة أم المؤمنين، وذلك أن رسول الله ﷺ لما خطب الناس فذكر لهم رجالا يؤذونه في أهله ويقولون عليهن غير الحق، وتولى كبر ذلك رأس النفاق عبد الله بن أبي ابن سلول في رجال من الخزرج. فقام أسيد بن حضير الأوسي فقال: يا رسول الله، إن يكونوا من الأوس نكفيكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج، فمرنا بأمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم. فقام سعد بن عبادة الخزرجي، فقال: كذبت لعمر الله، لا تضرب أعناقهم! أما والله ما قلت هذه المقالة إلا لأنك عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا! فقال أسيد بن الحضير: كذبت لعمر الله: ولكنك منافق تجادل عن المنافقين! وتثاور الناس حتى كاد أن يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر (تاريخ الطبري ٣: ٦٩) . هذا ولم أجد ذكر هذا الخبر في كتاب، ولم أجد في كتب أسباب النزول أن هذه الآية نزلت في شأن عائشة رضي الله عنها، ولا ما كان يومئذ بين الأوس والخزرج. ولم يذكر ذلك أبو جعفر مصرحًا في هذا الموضع، ولا ذكر ذلك في تفسير سورة النور، حيث آيات حديث الإفك وبراءة عائشة أم المؤمنين.]] فتثاوَر = الحيَّان، فقال بعضهم لبعض: مَوْعدُكم الحَرَّة! فخرجوا إليها، فنزلت هذه الآيةُ:"واذكروا نعمةَ الله عليكم إذْ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا"، الآية. فأتاهم رسول الله ﷺ فلم يزل يتلوها عليهم حتى اعتنق بعضهم بعضًا، وحتى إن لهم لخنينًا = يعني البكاءَ. [[في المطبوعة: "لحنينًا" بالحاء، وأما في المخطوطة، فإن الناسخ على غير عادته نقط حروفها المعجمة جميعًا، كما أثبتها، وهو الصواب المحض. والخنين: تردد البكاء في الأنف والخياشيم حتى يصير في الصوت مثل الغنة، لكتمان البكاء من ألم وحياء وخجل. وقد ورد في كثير من الأحاديث من ذلك: "أنه كان يسمع خنينه في الصلاة"، وفي حديث أنس: "فغطى أصحاب رسول الله ﷺ وجوههم، لهم خنين".]] * * * "وسُمَير" الذي زعم السدي أن قوله"إذ كنتم أعداء" عنى به حربه، هو سُمير بن زيد بن مالك، [[في الأغاني ٣: ٤٠"سمير بن يزيد بن مالك"، وذكر في ٣: ٢١ أنه أخو"درهم بن يزيد بن ضبيعة"، وقد رجحت في التعليق على طبقات فحول الشعراء لابن سلام: ٢٤٧ تعليق: ٦ أنه"درهم بن يزيد بن مالك" من بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمر بن عوف. وقد جاء في المطبوعتين"درهم بن زيد" كما جاء هنا في ذكر أخيه"سمير بن زيد".]] أحد بني عمرو بن عوف الذي ذكره مالك بن العجلان في قوله: إنَّ سُمَيْرًا أَرُى عَشِيرَتَهُ ... قَدْ حَدِبُوا دُونَهُ وَقَدْ أنِفُوا [[جمهرة أشعار العرب: ١٢٢، والأغاني ٢٠، واللسان (سمر) وهذا البيت والذي يليه كتب في المطبوعة بالقاف"أبقوا" ثم"علقوا" وهما في المخطوطة غير منقوطتين، وأوقعهم في ذلك النقط ما جاء في اللسان (سمر) ، "أبقوا" بالباء والقاف، وهو خطأ محض ينبغي تصحيحه. فقصيدة مالك فائية لا شك فيها. رواها صاحب جمهرة أشعار العرب بطولها، ورواها أبو الفرج، وروى معها نقائضها، لدرهم بن يزيد، ثم لقيس بن الخطيم، فيما بعد هذه الحرب بدهر، ورد حسان بن ثابت عليه ومناقضته له. وخبر هذا الشعر طويل، هو في الأغاني ٣: ١٨ - ٢٦، ثم ٣٩ - ٤٢. ثم انظر ما قاله الطبري بعد الأبيات. وقوله: "حدبوا دونه"، يقال: "حدب عليه"، إذا تعطف عليه وحنا عليه. وقوله: "دونه"، عني أنهم عطفوا عليه وحاموا دونه ليمنعوه. وقوله: "أنفوا"، يقال: "أنف الرجل من الشيء يأنف أنفا"، إذا حمى وغضب، وأخذته الغيرة من أن يضام. وكان سمير هذا هو الذي قتل الرجل الثعلبي جار مالك بن العجلان -في خبر الحرب- فطالب مالك بني عمرو بن عوف أن يرسلوا إليه سميرًا ليقتله بجاره، أو يأخذ الدية كاملة، فأبى أولئك، وأبى مالك، وحدب بنو عمرو بن عوف على صاحبهم سمير، واستنفر مالك قبائل الخزرج، فأبت بنو الحارث بن الخزرج أن تنصره، فقال هذه الأبيات يحرض بني النجار على نصرته.]] إنْ يَكًنِ الظَّنُّ صَادِقِي بَبَنِي ... النَّجَّارِ لَمْ يَطْعَمُوا الَّذِي عُلِفُوا [[في رواية الجمهرة والأغاني: "صادقا"، وهما سواء. وفي شرح هذا البيت قال أبو الفرج في أغانيه: "علفوا الضيم: إذا أقروا به. أي ظني أنهم لا يقبلون الضيم"، وهذا مجاز قلما تظفر بتفسيره في كتب اللغة. وقد جاء مثل ذلك في هذا المعنى من قول سبيع بن زرارة، أو خالد بن نغسلة (الحماسة ١: ١٨٦) . إِذَا كُنْتَ في قومٍ عِدًى لَسْتَ مِنْهُمُ ... فَكُلْ مَا عُلِفْتُ من خبيثٍ وطيِّبِ وقول العباس بن مرداس (الحماسة ١: ٢٢٥) . ولا تَطْعَمَنْ ما يَعْلِفٌونَك إنَّهُمْ ... أَتَوْكَ عُلىْ قُرْبَاهُمْ بِالمُثَمَّلِ وكأنهم يريدون بذلك: ما يقدم إليك، مما يكون حسن الظاهر كأنه رعاية وكرم، خبيث الباطن يراد به الأذى والضيم، واستعملوا"العلف" لأنه كالاستغفال لمن يقدم إليه، كأنه بهيمة لا تدرك الخفي الباطن. هذا وقد ترك ناشرو هذا التفسير هذين البيتين على حالهما من التصحيف. ثم جاء بعض المعلقين، فكتب ما لا قبل لذي عقل بقبوله، إلا على قول القائل: "فكل ما علفت"!]] وقد ذكر علماء الأنصار: أنّ مبدأ العداوة التي هيَّجت الحروب التي كانت بين قبيلتَيها الأوسِ والخزرجِ وأوَّلها، كان بسبب قتل مَولى لمالك بن العجلان الخزرجيّ، يقال له:"الحرُّ بن سُمَير" من مزينة، [[لست على ثقة من هذا الاسم"الحر بن سمير"، ولكني لم أجده في مكان آخر، والذي يقولونه في غير هذا الخبر أن اسمه"كعب بن العجلان"، ويقال غير ذلك.]] وكان حليفًا لمالك بن العجلان، ثم اتصلت تلك العداوة بينهم إلى أن أطفأها الله بنبيه محمد ﷺ. فذلك معنى قول السدي:"حرْب ابن سمير". * * * وأما قوله:"فأصبحتم بنعمته إخوانًا"، فإنه يعني: فأصبحتم بتأليف الله عز وجل بينكم بالإسلام وكلمة الحق، والتعاون على نصرة أهل الإيمان، والتآزر على من خالفكم من أهل الكفر، إخوانًا متصادقين، لا ضغائن بينكم ولا تحاسد، كما:- ٧٥٩٠- حدثني بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"فأصبحتم بنعمته إخوانًا"، وذكر لنا أن رجلا قال لابن مسعود: كيف أصبحتم؟ قال: أصبحنا بنعمة الله إخوانًا. * * * القول في تأويل قوله: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه"وكنتم على شفا حفرة من النار"، وكنّتم، يا معشر المؤمنين، من الأوس والخزرج، على حرف حُفرةٍ من النار. وإنما ذلك مثَلٌ لكفرهم الذي كانوا عليه قبل أن يهديهم الله للإسلام. يقول تعالى ذكره: وكنتم على طرَف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه قبل أن يُنعم الله عليكم بالإسلام، فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانًا، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم، فتكونوا من الخالدين فيها، فأنقذكم الله منها بالإيمان الذي هداكم له. * * * و"شفا الحفرة"، طرفها وَحرفها، مثل"شفا الركيَّة والبئر"؛ ومنه قول الراجز: نَحْنُ حَفَرنَا لِلْحَجيِجِ سَجْلَهْ ... نَابِتَةٌ فَوْقَ شَفَاهَا بَقْلَةْ [[لم أجد هذا الرجز بهذه الرواية في كتاب غير هذا التفسير. أما "سجلة" فهي بئر المطعم ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ويقال حفرها عدي بن نوفل، ويقال حفرها هاشم بن عبد مناف، ويقال حفرها قصى. وقد ذكرها ابن هشام في سيرته ٢: ١٥٧، والأزرقي في تاريخ مكة ١: ٦٤، ٦٥ / ٢: ١٧٥، ١٧٦، والبلاذري في فتوح البلدان: ٥٥، ٥٦، والبكري في معجم ما استعجم: ٧٢٤، ومعجم البلدان (سجلة) ، والروض الأنف ١: ١٠١، وذكرها المصعب في نسب قريش: ٣١، ١٩٧، ولم يذكر اسمها بل قال: "سقاية عدي، التي بالمشعرين، بين الصفا والمروة، وفيها يقول مطرود الخزاعي، يمدح عدى بن نوفل: وَمَا النِّيلُ يَأْتِي بالسَّفِينِ يَكُفُّه ... بأَجْوَدَ سَيْبًا من عَدِىّ بن نَوْفَل وأنبطْتَ بين المَشْعَرَيْنِ سِقايةً ... لِحُجَّاجِ بَيْتِ الله أفْضَلَ مَنْهَلِ ونسب أبو الفرج في أغانيه ١٣: ٥ هذا الشعر لقيس بن الحدادية من أبيات. وأما الرجز الذي يشبه هذا وذكروه في المراجع السالفة، فقد اختلف في نسبته، إلى قصى، وإلى خلدة بنت هاشم، تقول: نَحْنُ وَهَبْنَا لِعَدِىٍّ سَجْلَهْ ... في تُرْبةٍ ذَاتِ عَذَاةٍ سَهْلَهْ تُرْوِى الحَجِيج زُغْلَةً فزُغْلَهْ أي جرعة فجرعة. ولم يتيسر لي تحقيق ذلك الآن بأكثر من هذا]] يعني: فوق حرفها. يقال:"هذا شفا هذه الركية" مقصور"وهما شفواها" * * * وقال:"فأنقذكم منها"، يعني فأنقذكم من الحفرة، فردّ الخبر إلى"الحفرة"، وقد ابتدأ الخبر عن"الشفا"، لأن"الشفا" من"الحفرة". فجاز ذلك، إذ كان الخبر عن"الشفا" على السبيل التي ذكرها في هذه الآية = خبرًا عن"الحفرة"، كما قال جرير بن عطية: رَأَتْ مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنَّي ... كما أخَذ السِّرَارُ مِنَ الهِلالِ [[ديوانه: ٤٢٦، مجاز القرآن: ٩٨، الكامل ١: ٣٢٤، وغيرها، وسيأتي في التفسير ١٢: ٩٤ / ١٣: ١٠٩ / ١٩: ٣٩ (بولاق) ، من قصيدة يهجو الفرزدق، لم تذكر في نقائضهما، يقول قبل البيت: دَعِيني، إِنَّ شَيْبى قَدْ نَهَانِي ... وَتَجْرِيبِى، وَشَيْبِى، وَاكْتِهَالِى رَأَتْ مَرَّ السِّنِينِ......... ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وَمَنْ يَبْقَى عَلَى غَرَضِ المَنَايا ... وَأَيَّامٍ تَمُرُّ مَعَ اللَّيّالِي؟! والسرار (بكسر السين وفتحها) : آخر ليلة من الشهر، ليلة يستسر القمر، أي يختفي، وأراد جرير بالسرار في هذا البيت: نقصان القمر حتى يبلغ آخر ما يكون هلالا، حتى يخفى في آخر ليلة، فهذا النقصان هو الذي يأخذ منه ليلة بعد ليلة، أما "السرار" الذي شرحه أصحاب اللغة، فهو ليلة اختفاء القمر، وذلك لا يتفق في معنى هذا البيت.]] فذكر:"مر السنين"، ثم رجع إلى الخبر عن"السنين"، وكما قال العجاج: [[وينسب للأغلب العجلى، كما سترى في المراجع، وقال أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب."ليس هذا الرجز للأغلب، هو لغيره، من شوارد الرجز".]] طُولُ اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي ... طَوَيْنَ طولِي وَطَوَيْنَ عَرْضِي [[ديوان العجاج: ٨٠، سيبويه ١: ٢٦، كتاب المعمرين: ٨٧، الأغاني ١٨: ١٦٤، والبيان والتبيين ٤: ٦٠، والخزانة ٢: ١٦٨، العيني (هامش الخزانة) ٣: ٣٩٥، وشرح شواهد المغنى: ٢٩٨ وغيرها. وقد اختلفت في رواية الرجز اختلاف كثير. ورواية أبي محمد الأعرابي: أَصْبَحْتُ لا يَحْمِلُ بَعْضِي بَعْضِي ... مُنَفَّهًا، أَرُوح مِثْلَ النِّقْضِ مَرُّ اللَّيالي............. ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ثُمَّ الْتَحَيْنَ عَنْ عِظامِي نَحْضِى ... أَقْعِدْنَنِي مِنْ بَعْدِ طُول نَهْضِي المنفه: الذي عليه الكلال والإعياء. والنقض: البعير المهزول. التحى العود من الشجر: قشر عنه لحاءه، وهو قشره. والنحض: اللحم. يقول: تركته الليالي عظامًا، قد أكلت لحمه.]] وقد بيَّنتُ العلة التي من أجلها قيل ذلك كذلك فيما مضى قبل. [[٥: ٧٧، ٧٨.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٧٥٩١- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته"، كان هذا الحيّ من العرب أذلَّ الناس ذُلا وأشقاهُ عيشًا، [[قوله: "وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالة. . ." مع عودة الضمير إلى"الناس"، لأن ضمير المثنى والجمع بعد"أفعل" التفضيل، يجوز إفراده وتذكيره، انظر ما سلف من التعليق على الآثار رقم: ٥٩٦٨، ٦١٢٩، ٧٠٢٨، ٧٠٢٩.]] وأبْيَنَه ضلالة، وأعراهُ جلودًا، وأجوعَه بطونًا، مَكْعُومين [[في المطبوعة: "معكومين"، والصواب من المخطوطة: كعم فم البعير وغيره شد فاه في هياجه لئلا يعض. ومنه قيل: "كعمه الخوف فهو مكعوم"، أمسك فاه، ومنعه من النطق، وفي حديث على: "فهم بين خائف مقموع، وساكت مكعوم"، وفي شعر ذى الرمة يصف صحراء بعيدة الأرجاء، يخافها سالكها: بَيْنَ الرَّجَا والرَّجَا من جَنْبِ واصِيَةٍ ... يَهْمَاءَ، خَابِطُهَا بالخوف مَكْعُومُ]] على رأس حجر بين الأسدين فارس والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه. مَنْ عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات رُدِّي في النار، [[ردى في النار: ألقى فيها.]] يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظًّا، وأدق فيها شأنًّا منهم، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام، فورَّثكم به الكتاب، وأحل لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، [[هكذا جاءت الجملتان في المخطوطة، ولست على ثقة من صوابهما، ولا أدري ما يعني بقوله: "دار الجهاد"، والذي نعرف أن الإسلام جاء فأحله للمجاهدين هو"الغنائم" غنائم الحرب والجهاد. فأخشى أن يكون في الكلام تحريف. وقوله: "ووضع لكم به من الرزق" كأنه يعني بقوله: "وضع" بسط، كما فسروه في حديث التوبة: "إن الله واضع يده لمسيء الليل ليتوب بالنهار، ولمسيء النهار ليتوب بالليل"، أي بسط، كما جاء في الرواية الأخرى: "إن الله باسط يده. . .".]] وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس. وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نِعمَه، فإن ربكم منعِمٌ يحب الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك. ٧٥٩٢- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قوله:"وكنتم على شفا حفرة من النار"، يقول: كنتم على الكفر بالله، ="فأنقذكم منها"، من ذلك، وهداكم إلى الإسلام. ٧٥٩٣- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها"، بمحمد ﷺ يقول: كنتم على طرَف النار، من مات منكم أوبِقَ في النار، [[أوبقه: أهلكه، وقوله: "أوبق" بالبناء للمجهول.]] فبعث الله محمدا ﷺ فاستنقذكم به من تلك الحفرة. ٧٥٩٤- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا حسن بن حيّ:"وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها" قال: عصبية. [[الأثر: ٧٥٩٤-"الحسن بن حي"، هو: "الحسن بن صالح بن صالح بن حي، وهو حيان، الهمداني" قال البخاري: "يقال: حي، لقب"، وكان في المطبوعة: "حسن بن يحيى"، والصواب في المخطوطة، وهو مترجم في التهذيب.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣) ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"كذلك"، كما بيَّن لكم ربكم في هذه الآيات، أيها المؤمنون من الأوس والخزرج، من غِلّ اليهود الذي يضمرونه لكم، [[في المطبوعة: "من علماء اليهود. . ."، وهو فاسد جدًا، والصواب في المخطوطة، ولكنه لم يحسن قراءتها"من عل" غير منقوطة. والغل (بكسر الغين) : الحقد الدفين.]] وغشهم لكم، وأمره إياكم بما أمركم به فيها، ونهيه لكم عما نهاكم عنه، والحال التي كنتم عليها في جاهليتكم، والتي صرتم إليها في إسلامكم،= [[سياق الجملة: كما بين لكم في هذه الآيات. . . من غل اليهود. . . ومن غشهم. . . ومن أمره. . . ومن نهيه. . . ومن الحال التي كنتم عليه. . ." معطوف بعضه على بعض.]] مُعَرِّفَكم في كل ذلك مواقع نعمة قِبَلكم، وصنائعه لديكم،= [[في المطبوعة: "يعرفكم" بالياء في أوله، والصواب ما في المخطوطة، وهو منصوب الفاء، نصب على الحال.]] فكذلك يبين سائر حججه لكم في تنزيله وعلى لسان رسوله ﷺ. ="لعلكم تهتدون"، يعني: لتهتدوا إلى سبيل الرشاد وتسلكوها، فلا تضِلوا عنها. [[عند هذا الموضع، انتهى الجزء الخامس من مخطوطتنا، وفي آخره ما نصه: "نَجَز الجزء الخامس من كتاب البيان، بحمد الله تعالى وعونه وحسن توفيقه، أعان الله على ما بعده بمنه وكرمه، وخفىّ لطفه وسعة رحمته، إنه وَلِيّ ذلك والقادرُ عليه. يتلوه في السادس إنْ شاء الله تعالى: القول في تأويل قوله: "وَلْتَكُنْ منكُمْ أمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولئكَ هُمُ المُفْلِحُون". * * * وكان الفراغُ منه في شهر الله المحرّم غُرّة سنة خمس عشرة وسبعمئة، أحسن الله تَقَضِّيها وخاتمتها في خيرٍ وعافية، بمنّه وكرمه ولطفه - على يدِ العبد الفقير إلى رحمة مولاه، الغنيِّ به عمن سواه: علىّ بن محمد بن عباد (أو: عنان) بن عبد الصمد بن صالح الديدبلى (؟؟) الشافعي، غفر الله له ولوالديه، ولصاحب هذا الكتاب، ولمن قرأ فيه ودعا لهم بالتوبة والمغفرة ورضى الله تعالى والجنة، ولجميع المسلمين. وذلك بالقاهرة المحروسة، بحارة العطوفة. الحمد لله رب العالمين" ثم يتلوه الجزء السادس، وأوله: "بسم الله الرحمن الرحيم ربّ أعِنْ"]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب